أجرى الحزب الوطنى استطلاعاً بين الناس تبين منه أن 71٪ منهم، راضون عن أداء الحكومة، وأن النسبة الباقية غير راضية عن أدائها، ولا تثق فيها! وقد ثار جدل كبير داخل أمانة السياسات فى الحزب، وكان الاستطلاع موضع خلاف حاد بين أعضاء الأمانة، وكان أهم ما فى الخلاف، أن الدكتور زكريا عزمى لم يكن راضياً عن وجود القضاء ضمن الموضوعات التى سألوا عينة الاستطلاع عنها، وكان غاضباً للغاية، وقد رفع صوته مطالباً بإبعاد القضاء، كمرفق، عن مثل هذه الاستطلاعات! ونحن نختلف تماماً مع رئيس ديوان رئيس الجمهورية، ونرفض أن يكون أى شىء بعيداً عن استطلاع رأى الناس فيه، فقد مضى العصر الذى كان فى إمكانك التعتيم خلاله على الأمور، ولم يعد فى مقدور أى إنسان أن يغطى على مسألة هنا، أو أخرى هناك حتى ولو كانت هى القضاء! طبعاً هناك مفارقات كاشفة فى النتائج المعلنة، منها مثلاً أن ال 71٪ ليسوا كلهم راضين عن أداء الحكومة، ولو أن أحداً راح يقارن بين النتائج المنشورة فى «المصرى اليوم» وبين النتائج نفسها المنشورة فى «الأهرام» فى اليوم نفسه، عن الموضوع ذاته، فسوف يتضح له بسهولة، أن «الأهرام» مارست إجمالاً فى الحصيلة الراضية، وتجميلاً فى صورتها بما لا يليق، لأن الحقيقة التى ينطق بها الاستطلاع أن 39٪ فقط راضون، وأن 32٪ «راضون إلى حد ما» فقررت «الأهرام» ضم النسبتين معاً، ليصبح حاصل جمعهما 71٪، ويصبح المواطن الذى سألوه وقال إنه «راض إلى حد ما»، راضياً تماماً، ومبسوطاً كما لم يحدث له من قبل!!.. ومع ذلك، فليس هذا هو الموضوع، لأن أصل الحكاية أن حكومة الحزب لا يجوز أبداً أن يأتى تقييمها من جانب الحزب، وإلا أصبح الأمر أقرب إلى العبارة الشهيرة «جورج الخامس يفاوض جورج الخامس».. فالاستطلاع فى حد ذاته، شىء مهم، ومطلوب، بل مشكور ويعكس توجهاً تقدمياً، ولكن إذا قام به الحزب، من أجل تقييم أداء حكومة الحزب، فلن يهم الناس فى شىء، ولن تكون نتائجه محل اهتمام أحد، ولن تستوقف أحداً! إذا كنتم تريدون استطلاعاً حقيقياً، فيجب أن تقوم به جهة محايدة تماماً، حتى يصدقه الناس.. وكان فى إمكان الحزب ولايزال، أن يلجأ إلى «معهد جالوب» لقياسات الرأى العام مثلاً أو ما يماثله، ليقوم بهذه المهمة، فهو جهة لن يشك الناس فيها، كما يتشككون فى الحزب الوطنى، واستطلاعاته، ونواياه.. أما أن يقوم بالاستطلاع معهد السيدة زينب، أو معهد المنيرة، أو.. أو.. فهذا ما لا يثق فيه المصريون لحظة واحدة! قال الفيلسوف سقراط: تكلم حتى أراك.. ونقول: كونوا محايدين.. وبمعنى أدق وضحوا حيادكم، وأبرزوه، حتى نثق فيكم!