«لأول مرة فى تاريخ القبول بالجامعات المصرية، يستطيع طلاب الثانوية العامة الحاصلون على 50٪ هذا العام، الالتحاق بكلية الإعلام جامعة القاهرة»، هذا هو القرار الذى اتخذه المجلس الأعلى للجامعات قبل أسبوعين، وظل سراً حتى انفرد الزميل أبوالسعود محمد بكشفه فى «المصرى اليوم» يوم الأربعاء الماضى، وهو اليوم ذاته الذى نُشر فيه مقالى فى هذه الزاوية تحت عنوان «التعليم المفضوح». لا أحد يعرف الأسباب التى استند إليها المجلس الأعلى للجامعات فى اتخاذ هذا القرار الخطير، الذى تضمن تفاصيل مذهلة فى تفاهتها وتناقضها، من بينها أن هذا النظام يعطى الحق للطلاب الحاصلين على الثانوية العامة فى التقدم مباشرة للكليات دون المرور على مكتب تنسيق، كما أنه يتيح لهم الالتحاق بكليات الإعلام والحقوق والتجارة ودار العلوم بأى مجموع، ولكن رئيس مركز التعليم المفتوح بجامعة القاهرة يؤكد - دون أن يطرف له جفن - أن التعليم المفتوح وضع قواعد خاصة للقبول بكلية الإعلام، من بينها درجات اللغة واختبارات مؤهلة للقبول «حتى نضمن التحاق أفضل الطلاب بكلية الإعلام»! لا أعرف كيف سيختار هذا الرجل أفضل الطلاب إذا كان القرار ينص أصلاً على حق أى طالب ناجح فى الالتحاق بكلية الإعلام؟! إن الكلام الأكثر اتساقاً ومنطقية مع هذه الفضيحة هو الحديث عن تخفيضات فى مصروفات التعليم المفتوح للطلاب الأيتام وأبناء العاملين فى القوات المسلحة والشرطة والطلاب المعاقين، إنه حقاً «أوكازيون» تخريب التعليم الجامعى. أعرف أن قرار المجلس الأعلى للجامعات، الذى يقف وراءه الدكتور هانى هلال، وزير التعليم العالى، أحدث حالة من الرضا بين آلاف الطلاب الذين فقدوا الأمل فى العثور على مكان مناسب فى الجامعات الحكومية، وقد وصل الأمر بأحد الطلاب فى تعليقه على ما نشرته «المصرى اليوم» إلى مطالبة الحاصلين على الثانوية العامة وأسرهم بالوقوف إجلالاً واحتراماً لصانعى هذا القرار، وقالت طالبة أخرى إن الإعلامى كالفنان يجب أن تتوافر فيه قدرات ومواهب وملكات ليس من بينها المجموع. ولكن مواطنة اسمها عايدة منصور قالت فى تعليقها: «عليه العوض ومنه العوض، بنتى بتقول بلاش مذاكرة، ونحوش شوية فلوس ندخل بها أجدع كلية». لقد أحدث القرار تفاعلاً بين الطلاب وأسرهم والمهتمين بقضية التعليم، ولكن المفاجأة المدهشة أن مجلس نقابة الصحفيين واللجنة المكلفة بإعداد مشروع قانون نقابة الإعلاميين، لم يهتما على الإطلاق بهذا القرار الكارثى الذى سيدمر مهنة الصحافة والإعلام فى مصر، أكثر مما هى مدمرة، ولم نسمع حتى الآن عن أى تحرك لنقيب الصحفيين يماثل ما فعله الدكتور حمدى السيد، الذى خاض معركة تخفيض أعداد المقبولين فى كليات الطب حتى تتمكن الكليات من تخريج أطباء أكفاء، وقد نجح حمدى السيد فى مسعاه، وحصل على حكم قضائى نهائى التزمت به وزارة التعليم العالى، وخفضت أعداد المقبولين فى كليات الطب هذا العام بنسبة 15٪. لا أطالب هنا بحرمان الحاصلين على 50٪ فى الثانوية من حقهم فى التعليم، ولكننى أؤكد أن هذا التعليم المفتوح ليس تعليماً على الإطلاق، إنه تخل فاضح من الدولة عن دورها فى إتاحة التعليم المحترم لكل المواطنين دون تفرقة، أما أن نبيع لأبنائنا شهادات تخرج بمبالغ مالية كبيرة يحصل العمداء ورؤساء الجامعات على نسب كبيرة منها، فهذه فضيحة لا ينبغى أن تمر، ولا يليق بنقيب الصحفيين أن يظل صامتاً حتى تكتمل الكارثة. [email protected]