قد يبدو هذا الموضوع نوعا من الترف، إلى جانب موضوعات أخرى تسبب الوجع المباشر فى حياة كل مواطن.. ولكننا سوف نكتشف حالاً، كيف أنه مؤلم، وكيف أنه شديد الصلة بكل مسألة فى حياتنا! فقد حدث ذات مرة، أن طلب مسؤول كبير جدا، فى موقع مهم للغاية، معلومات محددة، عن شأن من الشؤون، فجاءته المعلومات التى طلبها على الفور، من أربع جهات فى الدولة، وعند النظرة الأولى فيها، اتضح له، أن معلومات كل جهة متضاربة مع معلومات غيرها عن الموضوع نفسه، وأن معلومات الجهات الأربع ترسم فى النهاية، أربع صور متناقضة، لقضية واحدة، ولم يستطع الرجل وقتها، وتلك قصة معروفة، أن يتخذ قراراً كان يريد اتخاذه، لأنه لم يعرف على أى معلومات بالضبط، يمكن أن يستند ويعتمد! هذه قصة حقيقية تذكرتها فى الحال، لسببين: الأول أن الرئيس الصينى «جينتاو» قد اعتمد قانوناً فى بلاده، يوم 27 يونيو الماضى، بما يقضى تماما على فكرة تضارب معلومات كل جهة هناك، مع معلومات غيرها، وسوف يجرى تطبيق القانون ابتداء من أول يناير المقبل، وقد أحيط الموضوع عالميًا، ثم عندهم فى بكين، باهتمام يجب أن يحاط به، إلا عندنا طبعا.. فالأمر بالنسبة لنا لم يتبين على حقيقته بعد، ولم يأخذ أهميته الحتمية بعد، ولاتزال فكرة المعلومة، وضرورة توفيرها، مع ضمان دقتها، وصوابها، حكاية لا تشغلنا من قريب، ولا من بعيد، وإذا حدث وشغلتنا فجأة، فلابد أن تكون هناك مناسبة إذا زالت انتهى بعدها الانشغال بالقصة برمتها! والسبب الثانى، أن الدكتور محمود علم الدين، رئيس قسم الصحافة فى إعلام القاهرة، قال فى حواره مع «المصرى اليوم» صباح الثلاثاء، إن تضارب المعلومات لدينا كارثة! وحين يقول أستاذ كبير، هذا الرأى، فى مجال تخصصه، فلابد ألا يأتينا نوم، إذا كنا حقا جادين فى أن تكون المعلومات المتوافرة عندنا، سليمة وغير متضاربة، وغير متناقضة مع سواها.. ولأن الأمور ليست كذلك، فإن حوار الرجل قد مر فى صمت، مع أنه كان «مانشيت» فى الصحيفة، ومع أن الدكتور محمود، فيما أظن، قد قصد أن ينبهنا إلى خطورة ما يتكلم فيه، وإلى أنك لو طلبت - مثلا - من أربع جهات فى الدولة، معلومات عن عدد الأميين، فسوف تأتيك أربعة أرقام، كل رقم فى اتجاه مختلف، وتكون النتيجة الطبيعية - وأرجو أن ننتبه هنا - أن أى مسؤول يريد أن يمحو الأمية، سوف يتعامل مع قضية يجهلها، فيمشى إلى أسوان، وهو يريد الإسكندرية!! قرار الرئيس الصينى، سوف يجعل المستثمر هناك، يأتى إليهم، وهو مطمئن، ثم يعمل وهو على بينة من خطواته.. ولكن عندنا، سوف نظل عاجزين، عن استقدام مستثمرين كما ينبغى، وسوف نظل عاجزين عن اتخاذ قرارات فى الاتجاه الصحيح، وعن تحديد أولويات العمل الوطنى مادامت معلوماتنا كأحوالنا متلخبطة!