حرصت ثورة يوليو على أن تعزز شرعيتها لدى الشعب بدءا من الأيام الأولى للثورة، فبعدما رفعت شعارات ضد الفساد والتحلل، أخذت تتذرع بالدين كواجهة روحية لإسباغ الشرعية الدينية، ولا عجب أن تسعى الثورة لذلك خاصة بعدما وقعت خصومة سياسية بين رؤوسها وبين الإخوان، الذين وجدوا هوى لدى محمد نجيب وتطلعوا لاقتسام كعكة التغيير، وعلى هذا النحو وفى غير مناسبة وفى أكثر من مكان نجد أن نشاط الضباط اقترب كثيرا من النشاط الوعظى والتأكيد على البعد الدينى للثورة باعتبارها ثورة إصلاح ترفع الظلم عن المقهورين وتشعر بآلام المعدمين. وهناك الكثير من المشاركات الثورية لرجال الثورة مع الشعب فى الاحتفالات والشعائر الدينية على نحو من التبسيط لا الترفع، ولا ضير إذا نقلت بعض الصحف يوما فى حياة أحد هؤلاء الضباط، ولا سيما إذا كان هذا اليوم فى رمضان، فنجد مثلا فى مجلة الاثنين فى عددها الصادر فى 21 مايو عام 1954: متابعة لإفطار فى القصر الجمهورى حضره الرئيس محمد نجيب وخُصص لضباط الجيش والشرطة. وهناك صور لنجيب وهو يتوضأ ويصلى ويقرأ القرآن لأنه رئيس مؤمن، أما السادات فباعتباره خطيبا «مفوها» ولديه تراكم فى الثقافة الدينية، ذلك أنه كان فيما بعد الرئيس المؤمن صاحب شعار «دولة العلم والإيمان» فقد جاب المحروسة طولا وعرضا يلتقى بالناس ويعرفهم بأهداف الثورة، ويربط بينها وبين إرادة الله، وبلغ الأمر مداه أن كان يخطب الجمعة ويؤم المصلين، فها هى الأهرام فى العدد الصادر فى 11 أبريل 1953 تنشر موضوعا بعنوان: «يخطب الجمعة فى مسجد الحنفى ويؤم المصلين». ولابد بالطبع أن تكون الثورة حاضرة فى الخطبة، كأن يقول مثلا – كما نشرت الأهرام آنذاك –: «تحرير الوطن يكون بتحرير أهله من الخوف والأنانية، وعلى المواطنين ألا يستمعوا للإشاعات ويكونوا كالبنيان المرصوص». وفى هذا يصف محرر الأهرام الموقف قائلا: «ولولا وقار المسجد واحترامه لضج الناس بالهتاف والتصفيق»، وقد قال السادات: «كيف أن الله جعل من أيدى الأقوياء على الباطل يده التى يبطش بها» وهكذا خلط خطاب السادات بين الحس الثورى والدينى. ويواصل السادات جولاته وصولاته الدينية ففى يوم 8 مايو 1953م يخطب الجمعة ويؤم المصلين فى مسجد «معروف»، وكان فحوى خطبته: «لو تراحمتم واجتمعت كلمتكم لقلتم للشىء كن فيكون». وكانت كل المفاهيم فى هذه الخطبة حول التراحم من وجهة نظر اشتراكية. وفى اليوم ذاته وفى مسجد سيدى إبراهيم بدسوق كان حسين الشافعى يخطب فى المصلين ويؤمهم، وكان لكلامه عن حركة الجيش الغلبة مع ربط متعسف بالمفاهيم الدينية. وفى السويس يوم 15 مايو 1953م كان وفد من هيئة التحرير فى زيارة إلى السويس، وحضروا صلاة الجمعة ثم أقيمت احتفالية فى سرادق مخصوص، وتحدث كل أفراد الوفد وعلى رأسهم كمال الدين حسين الذى جاء كل معنى ثورى فى خطابه مدعوما بآيات قرآنية وأحاديث نبوية.