خطاب واحد فى العاصمة السنغالية داكار، فى يوليو 2007، كان كافيا لكى يضمن للرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى أن ينال قبول النخبة الأفريقية، وبخطاب آخر فى الشهر ذاته من العام الحالى، فى أكرا عاصمة غانا، نجح الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى أن يأسر قلوب القارة السمراء. ورغم التشابه الكبير بين مضمون الخطابين فإن النتائج المترتبة عليهما اختلفت بشكل كلى، بحسب صحيفة «le monde» الفرنسية. وقالت الصحيفة، فى تحليل، إنه للوهلة الأولى يبدو أن الرسالتين الصادرتين عن رئيسى القوتين المتنافستين فى أفريقيا، قريبتا الشبه، ودللت على ذلك بفقرات من الخطابين، فقال ساركوزى فى خطابه: «أفريقيا تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن سوء أوضاعها، والحقبة الاستعمارية ليست مسؤولة عن الحروب الدامية التى يقودها الأفارقة فيما بينهم الآن والتعصب والفساد». والأمر ذاته بالنسبة لأوباما فقال: «الغرب ليس هو السبب فى الحروب المندلعة حاليا فى أفريقيا وتجنيد الأطفال على أنهم مقاتلون»، كما اتفق الرئيسان على أن «مستقبل أفريقيا هو شأن الأفريقيين»، ثم اختتما خطابهما بالوعد ذاته بتقديم الدعم والمساندة للذين يسيرون على «الطريق الصحيح». إلا أن الصحيفة أشارت إلى أنه بين صافرات الإعجاب فى داكار والتصفيق الحاد فى أكرا، كان هناك اختلاف واضح بين وقع الكلمتين على الأفارقة أنفسهم، وهو ما يرجع إما لحنكة سياسية لدى أوباما أو شىء من العنصرية سمح للرئيس الأمريكى صاحب البشرة السمراء فى أن يتم تقبله من جانب الشعب الأفريقى بشكل أفضل عن نظيره الفرنسى، حيث إن الأفارقة يجدون فى أوباما «مدعاة للفخر»، وهو ما أعطاه ميزة فى أن يتم قبوله بينهم، حتى وإن كان وجه عددا من الرسائل غير السارة، التى كان غير مقبول سماعها على لسان رجل أبيض. ففى زيارته إلى أفريقيا فى أولى سنوات حكمه ربما يكون ساركوزى نجح فى استقطاب القادة، إلا أنه أطلق موجة عداوة حادة عندما توجه إلى شباب أفريقيا مخاطباً إياهم على مدرج إحدى جامعات داكار معلناً عن مدى محبته لهذه القارة، فى خطاب وصفى للقارة وأوضاعها قدمه الرئيس الفرنسى، بعكس نظيره الأمريكى الذى فضل عدم إعطاء نصائح ودروس مستفادة لأفريقيا وإنما قام بالتركيز على أمور محددة وخطوات ملموسة ركزها فى 4 مجالات لتحقيق تقدم فى الحكم والاقتصاد والصحة، وحسم الصراعات، كما طرح أفكارا لمشروعات مشتركة، بما أعطى انطباعا بأنه قدم جديدا فى خطابه لهذا الشعب الذى ينتمى إليه عن طريق والده الكينى. ففرنسا، المستعمر السابق، زعمت فى خطابها نشر ضوء للتواصل وتقديم المشورة باسم «حب أفريقيا»، فى حين أن ممثل الأنجلو- ساكسونيين، الذين لم يخفوا من قبل نواياهم المادية المجردة تجاه هذه القارة، فقد دعا فى كلمته إلى الوقوف بعد نصف قرن من الاستقلال ودون الخوض فى الماضى، لبدء التفاوض لبناء علاقة جديدة. وعلى الرغم من أن الأفارقة يعرفون جيدا أن اهتمام واشنطن بهم ينحصر فى النفط والمواد الخام، وهو السبب فى قائمة طويلة من الأنظمة المستبدة التى ظل يدعمها الأمريكيون خلال الحرب الباردة، فإنهم اعتبروا خطاب الرئيس الأمريكى أكثر مصداقية من خطاب ساركوزى. وربما يرجع ذلك إلى أنه فى الوقت الذى أكد فيه أوباما تقديم الدعم، نجد أن الولاياتالمتحدة لا تزال حتى الآن مفتوحة أمام الهجرة الأفريقية، فى حين أن ساركوزى قال فى خطابه: «إن هذه القارة لن تخرج من فقرها إذا ظل بعض قادتها يحتفظون لأنفسهم بخيراتها»، ثم توجه بعد ذلك لزيارة ودية إلى عمر بونجو رئيس الجابون الذى توفى الشهر الماضى، وهو أحد القادة المتربحين من منصبهم، والذى كان ينعم بمظلة فرنسية طوال فترة حكمه.