الحياة نسبية، من فضلك لا تقلها وأنت تهز كتفيك استهزاء «ماشى ياعم الأينشتاين»، وكن متأكدا أنه حتى لو لم يكن المغفور له بإذن الله إسحاق أينشتاين قد اكتشف النظرية النسبية، كنا حتما سنعرف يوماً ما أن الحياة نسبية، لأن الحياة مشكلة حلها الوحيد أن تؤمن بأنها نسبية. لأنها كذلك ستكون مع صديق لك ساعة الغروب على شط إسكندرية، ستقف خاشعاً متصدعاً وستتخفف من أشجانك فى كذا تنهيدة، ولكى لا تعطيه مبرراً لسؤالك «مالك؟»، ستقول وأنت تحاول أن تكون عاديا «الله على المنظر البديع»، وهو سيقول لك بمنتهى التناحة «بس الجو سقّع شوية». الحياة نسبية ولأنها كذلك شاهدت أمس الأول صديقاً لى يبكى من الفرحة لأن ابنه الذى لم يكمل الثلاث سنوات قال له «بابا إنت كبير قد الحمار»، مع أن زوجته أم عياله لو قالت له «إنت كبير زى الحمار» لطلقها توا دون أن يذرف دمعة ندم. الحياة نسبية. ولذلك فى ظرف أسبوع واحد فقط يلومنى قارئ لأننى عندما أكتب عن كُتُبٍ ما لا أذكر له من أين يشتريها، مع أننى عندما فعلت ذلك قبلاً لامنى قارئ لأننى «أستغل عمودى لمصالحى الدنيئة مع دور النشر»، بينما يفحمنى قارئ نبيه بقوله «مش تكتب بقى أفكارك الخاصة وتبطل تكتب أفكار الآخرين». يلومنى قارئ لأننى طلبت الفاتحة أمانة على روح مايكل جاكسون، بينما يطالبنى آخر بالاعتذار لعشاق مايكل لأننى رددت كلاماً حقيراً عنه «مش عارف أنا جبته منين»، والكلام حقير فعلا لكننى قلت أنا جبته منين، يكاشفنى قارئ بأنه كان آخذا على خاطره منى لمهاجمتى عبدالناصر فى ذكرى هزيمة يونيو، لكنه الآن «راض عنى لأننى هاجمت الملكية اللعينة»، بينما يكتب آخر لى بالإنجليزية أننى لابد أن أعتذر لجرحى مشاعر العائلة المالكة وأنصارها، يغضب أكثر عندما أقول له «تقصد أنهى عيلة مالكة»، يقرر ثالث أن يكون أكثر ملكية من الملك فيرسل رسالة مكتظة بألفاظ يعاقب عليها القانون يختمها بتهديد صريح «بكره تشوف هاعمل فيك إيه»، ولأننى لست على استعداد للذهاب إلى النيابة فى هذا الحر الشنيع، أقرر انتظار الشتاء لأقدم فيه بلاغاً إذا لم يكن قد عمل فىّ شيئا حتى حينه، قارئ يتهمنى بأننى متطرف يتخفى فى ثياب المعتدلين، أستسخف فكرة أن أرسل إليه روابط للمنتديات التى تكفرنى على الإنترنت لأسباب متعددة سيضاف إليها وصفى منذ قليل لأينشتاين بالمغفور له بإذن الله، لا أعتقد أن أحداً ممن سيكفروننى، ولا حتى أنا، خدم البشرية كما خدمها أينشتاين، ولا أعتقد أن أحداً منا يمكن أن ينازع الله فى انفراده بمنح الرحمة والعذاب، لكننى أعتقد أيضا أن هناك متسعاً على الدوام فى قائمة أسباب تكفيرى التى بات تنوعها يفوق قدرتى على المتابعة، لذلك أكتفى فقط بأن أعرضها على زوجتى أولاً بأول لكى تكون على بينة قبل أن تستمر فى الحياة مع كافر أثيم. لن أكون جاحدا لنعمة الله، فأنكر أننى أجدنى على الدوام مغموراً بمحبة قراء يقولون لى كلاماً ياما كان فى نفسى ومُنى عينى أن أعيد نشره كله لأستمتع بقراءة حب الناس مطبوعاً على الورق، بيد أننى دربت نفسى دوماً على نسيان الحلو وتذكر «الوحش» لكى أستمر واقفا على قدمىّ، ولذا أكتفى بالاحتفاظ برسائلهم الجميلة الحنينة الجدعة والمشاكسة أيضا فى مكان أمين لعلى أستعين بها عندما لا أكون قادراً على الوقوف على قدمىّ، وكلما أعجبتنى رسالة محوت أثرها فوراً برسالة كارهة لكى أذكر نفسى دائما بأن الحياة نسبية، قبل أن أعرف أينشتاين بكثير عرفت ذلك، فى السابعة من عمرى ربما، والبركة فى كاتب أطفال عظيم اسمه محمد عطية الإبراشى، حكى لنا فى (المكتبة الخضراء) عن جحا الذى اصطحب ابنه ذات يوم على ظهر حماره، وبعد دقائق من سيرهما اعترضهما رجل ليتهمهما بالقسوة لأنهما يثقلان على الحمار، ترجل الابن وسار إلى جوار أبيه ليجد جحا رجلا يلومه لأن ابنه الصغير أولى منه بالركوب، يركب الابن ويمشى جحا إلى جواره فيعترضهما رجل يتهم الابن بالجحود والعقوق، ينزل الاثنان ويسيران إلى جوار الحمار ليريحاه ويريحا دماغيهما، فيقابلان رجلا يتهمهما بالحماقة لأنهما يمشيان ولديهما حمار يتمنى الآخرون ركوبه، وتنتهى القصة برسم مضحك مطبوع فى ذاكرتى لجحا وابنه وهما يحملان الحمار ويسيران به، وجحا يقول لابنه «يا بُنىّ رضاء الناس غاية لا تُدرك». قبل أن أنزل من على ظهر العمود وأسمع رأيك فيه، دعنى أذكرك ألا تتوقع منى أن أوافق بالضرورة على رأيك، لأن الحياة كما تعلم.. نسبية. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]