يمكننى بمنتهى السهولة أن أكتب لكم ما تريدون.. فما أسهل أن تسبح مع التيار.. وما أصعب أن تقرأ الواقع بصرف النظر عن أمنياتك الشخصية.. فرق كبير يا سادة بين ما أحلم به لمصر وما يحدث أمامى وأمامكم.. الأحلام لم تغب يوماً عن كتاباتى.. أما تحليل المشهد السياسى الراهن، فلابد من اتساقه مع المعطيات وتفاصيل الصورة.. تماماً مثلما تصحو باكراً متمنياً طقساً جميلاً ونسمات هواء عليلة.. ثم تخرج من بيتك، فتلطم وجهك رياح متربة مع «زعابيب» ورعد وبرق.. والشعوب - لمن يريد أن يتقدم للأمام - لا تعيش بالأحلام فقط.. وإنما بالسعى لتحقيقها ودفع الثمن طواعية! عفواً.. إذا كنت قاسياً فى مواجهة من فهموا مقالى أمس خطأ.. ولكننى من الذين يؤمنون بأن الجراحة أنجع فى حالات كثيرة من التداوى البطىء، لا سيما إذا كان المريض لا يحب تناول الدواء.. نعم.. نحن بحاجة إلى جراحة عاجلة تستأصل السلبية والصمت و«التداوى بالكلام» من بطن المجتمع المصرى.. تريدون منا أن نكتب ونكتب ونكتب، دون أن نتحرك نحن أو تتكلموا أنتم.. ولا أحد منا سأل نفسه أو الجالس بجواره على المقهى ساعات وساعات: لماذا نحن هكذا.. هل نستحق حكامنا.. هل حملناهم الهوينا ووضعناهم على مقاعدهم، ثم سجدنا لهم حمداً وطاعة، وحين ضلوا الطريق، اكتفينا «بمصمصة الشفايف»، وانتظار حل يهبط من السماء.. لماذا لا نريد أن ندفع الثمن.. وإذا كنا نعترض ونحتج ونرفض هذا الظهور اللافت ل«جمال مبارك» فى المشهد السياسى، مع احتمال صعوده إلى «كرسى الرئاسة»، فلماذا لم نقل «لا».. وكيف ننظر إلى أنفسنا ونحن نعيش واقعاً نرفضه، ثم لا نسعى إلى تغييره بوسائل ديمقراطية مثل شعوب كثيرة فعلتها قبلنا؟! قلت لكم أمس، إننى لم أعد مشغولاً ب«ملحمة التوريث».. فلكل مقام مقال.. ولكن الواقع الذى نعيشه الآن - قسراً أو صمتاً ورضاء - يقول إن جمال مبارك يحكم ويدير إلى حد بعيد من خلال مواقعه الحزبية ونفوذه التخطيطى والتنفيذى.. فقلتم لى فى تعليقاتكم: هل كلامك هذا يعنى تمهيداً أو تلميحاً لشىء ما.. وأقول لكم اليوم للمرة المليون: أنا أحاول قراءة وتحليل واقع موجود بالفعل، ولا أظن أن أحداً منكم يرى أننى صاحب قرار تصعيد «جمال» سياسياً، ولكن الخطأ الحقيقى أن ندفن رؤوسنا فى الرمال، ونرفض تحليل الواقع لأنه يغضبنا. وفى ظاهرة «جمال»، يصعب أن نبرئه من المسؤولية عمن حوله.. ولكننى اعتقدت أن نقدى لهؤلاء الطفيليين لم يعن على الإطلاق أنهم مفروضون عليه.. فالمرء يحشر مع من يحب يوم القيامة.. فما بالنا ب«لعبة السياسة» التى يحمل فيها السياسى أوزار كل من يتكلمون باسمه، أو يظهرون معه فى الصورة.. جمال مبارك مسؤول عن هؤلاء، وربما يدفع الثمن، ولكن مصر كلها ستدفع معه الثمن لأنه يوجه - حالياً - السياسات ويصدر القوانين، ويولى أحياناً من يشاء. أما السؤال الأهم: لماذا لم ينجح «جمال» فى الحصول على قبول شعبى؟! فإجابته فى بطنه هو.. فالمعروف أن جهاز تسويق وترويج السياسى هو المسؤول الأول عن رسم صورة جيدة له لدى الرأى العام.. وفى اعتقادى أن «جمال» لم يدرك ذلك.. إذ استخدم «إعلام تليفزيونى رسمى» لايزال يعمل بمفاهيم القرن الماضى: توجيه.. نفى للآخر.. وضيق أفق سياسى. التليفزيون المصرى حاول ترويج «الفكر الجديد» ليس بأسلوب الفكر القديم وإنما بلا فكر إطلاقاً.. فحقق نجاحاً ساحقاً فى تعميق الفجوة بين «مؤسسة الحكم» والشارع. وفى بلاط الصحافة.. استقطب رجال «الفكر الجديد» بالحزب أقلاماً سيئة السمعة للتعبير عنهم.. فبات رجال «جمال» كما يدَّعون رموزاً بارزة فى «التجريح والشتيمة» لرموز النخبة المصرية، وبدلاً من ترويج أفكار وسياسات «جمال» ومجموعته، صنعوا له «عداوات» بلا حصر، وأصبح من يهوى «تجريح قيادات الحزب والبلد» يمتلك ألف مبرر، أولها وآخرها أن صحف الحزب الوطنى وأقلام «أمانة السياسات» محترفة «شتيمة».. ومنين نجيب الأدب فى الحوار، والحزب الحاكم لا يضرب مثلاً فى «أدب أقلامه وكتابه». هل عرفتم المأزق الحقيقى ل«جمال مبارك»؟! إنه الترويج والتسويق الإعلامى.. هذا هو تحليلى لظاهرة موجودة بالفعل فى حياتنا.. أما لماذا هى موجودة.. ومن المسؤول عنها.. وهل يصعد «جمال مبارك» أكثر من ذلك؟! كلها أسئلة تخصنا جميعاً ولست أنا وحدى! [email protected]