ربما تتعجبون إذا قلت لكم إننى أشفق على «جمال مبارك».. وربما تتعجبون أكثر إذا عرفتم أننى لم أعد مهتمًا ب«ملحمة التوريث» بقدر اهتمامى ببحث وتحليل هذا الرجل «الظاهرة».. فهو وإن كان سابقة فى حياتنا المعاصرة، يبقى مثيرًا للجدل والغموض والمخاطر أيضًا.. الواقع الذى نعيشه منذ عام 2002 يؤكد أن «جمال» مطروح بقوة على الساحة السياسية، وإذا كان ينكر - بأغلظ الأيمان - سعيه إلى كرسى الرئاسة، فإنه لا يستطيع إنكار دوره المتعاظم فى الحكم وإدارة الدولة، وتوجيه سياسات الحكومة، ليس لأن اسمه «جمال محمد حسنى مبارك» فقط، وإنما لموقعه فى الحزب الوطنى الحاكم «الأمين العام المساعد ورئيس أمانة السياسات وقائد كتيبة الفكر الجديد»، التى تقود الحزب والحكومة و«الاقتصاد»! جمال مبارك من جيل أنتمى إليه.. يحمل الرجل حلمًا لا يعرفه سوى الله.. يريد أن يغمض عينيه ويفتحها ليجد نفسه فى المكان الذى يسعى إليه.. رئيسًا للجمهورية.. أو وزيرًا.. أو رئيسًا للوزراء.. أو حتى أمينًا عامًا للحزب الوطنى.. لا أريد أن أحاكمه أو أحاسبه على طموح لا أعرفه.. وليس من حقى أن أضع يدى داخل صدره لأفتش عن نواياه.. وربما يكون عدلاً أن نمنحه فرصة للعمل إذا كان مخلصًا.. أو نقف فى مواجهته إن ثبت عدم إخلاصه. غير أن «الشفقة» عليه لها ألف محل ومليون مبرر وسبب.. فالأحلام تفرض على صاحبها أن يأخذ بنواصى الحكمة.. والطموحات المشروعة لن تجدها إلا فى الماء الصافى.. العكارة تقتل الطموح.. والطفيليات تفسد الأحلام الجميلة.. ويبدو أن ابن جيلى جمال مبارك انهمك فى أمور كثيرة، فنسى أن السياسى الحقيقى ينبغى أن يسير فى طريق المخاطر والحسابات والتوازنات متخففًا من الأحمال والأثقال.. ويقولون فى أوروبا إن الرجل السياسى يجب أن يحمل فى جيب «البدلة» زجاجة مطهر قوى وفعال.. ففى كل لحظة عليه أن ينظر حوله، ثم يرش المكان لتنقيته من الهواء الفاسد الذى ينفثه أشخاص يعيشون على دمائه!! وفى ظنى أن «جمال» لا يحمل شيئًا فى «بدلته».. وإلا لما دفع ثمن المحيطين به فى كل الاتجاهات.. الرجل الطموح والمؤدب يسير فى طريقه السياسى حاملاً على كتفيه كائنات متوحشة تتغذى على دمه.. والأحجام متفاوتة.. من الديدان إلى «الخراتيت» والوحوش الكاسرة.. معظمهم لا يحبون جمال مبارك بقدر ما يسعون إلى تحقيق أكبر المكاسب السياسية والمادية «من لحمه الحى».. والثمن يدفعه الرجل دون أن يدرى، الثمن هو المزيد من الجفاء بينه وبين المواطن.. فمن يريد تقييمه لم يعد قادرًا على النظر إليه وحده.. الكادر يسوده الطفيليون فحجبوا الرؤية وطمسوا ملامحه. سياسيون يكتسبون نفوذاً وسطوة بتحلقهم حول «جمال مبارك».. رجال أعمال يحصدون المليارات بزعم قربهم منه.. وصحفيون يرهبون الجميع بادعاء تعبيرهم عنه.. ربما يعرف «جمال» هذه الحقيقة.. وربما لا يعرفها كاملة، ولكنه فى كل الأحوال يخسر أغلى ما يسعى إليه أى سياسى: حب الناس.. وصورته فى المجتمع.. واقتناع النخبة السياسية والفكرية به.. والسبب أن مَنْ «يروجون ويسوقون» له تحولوا إلى «بلطجية» وهجامين. ليس من حقى أن أنصح جمال مبارك بالتخلص من «الأدران» التى تحيط به.. ولكن من حقى أن أنير الطريق أمام أحد أبناء جيلى حتى لو اختلفت معه.. ومن حقى وحقك أيضاً أن نقول لأحد أبرز مَنْ يوجهون سياسات البلد: خلى بالك من الحاشية التى أنهت عشرات السياسيين قبلك.. فليس أغلى ولا أعز من حب الناس.. وعليك أن تختار بين 80 مليون مصرى.. و80 «دراكولا» يمتصون دمك فى وضح النهار! [email protected]