الوزير رجل سياسة مهمته خدمة المواطنين جميعًا.. لا فرق بين مواطن وآخر على أى أساس.. فالكل مصريون.. ولكن بعض وزراء حكومة الدكتور نظيف لهم شأن مختلف عن تلك الصورة الطبيعية للوزراء، وهؤلاء هم الذين أعطوا الانطباع بأنها حكومة للأغنياء فقط، فالمواطن الغنى محترم فى نظرهم وله كل الحقوق، أما الفقير فهو درجة أخيرة عليه واجبات فقط ولا حقوق له.. كان هذا واضحًا من سلوك وآداء هؤلاء الوزراء حتى الإثنين الماضى، حينما حولت السفيرة مشيرة خطاب، وزيرة الأسرة والسكان، هذا الانطباع إلى حقيقة واضحة.. فقد صرحت الوزيرة أمام الملتقى الثالث لمتابعة قضايا الأسرة بالإسكندرية بأن الحكومة «دلعت المواطنين» وبأن «طلبات المواطنين ما بتنتهيش»، وفى ذلك نوع من الاستعلاء وكأن الحكومة طرف يمنح ويمنع بينما المواطن عليه أن يقبل بما يتاح له منها، كما أضافت أن المجتمع المصرى يعانى الكثير من مظاهر عدم الانتماء وبخاصة فى الطبقات الفقيرة! ومهما كان سياق الكلام واتجاهه، ومهما كانت كلماتها الرسمية فى أكثر من مناسبة سابقة تتحدث عن أهمية الاهتمام بالفقراء، إلا أن ذلك يتناقض تمامًا مع رؤيتها الجارحة والصادمة للسواد الأعظم من شعب مصر، والتى أعلنتها من الإسكندرية الأسبوع الماضى.. والوزير خادم للمواطنين جميعًا، ولا يجب أن ينطق بما يوحى بأنه يتعالى عليهم.. ولا يمكن إطلاقًا قبول هذا التمييز الطبقى الذى مارسته الوزيرة فى تصريحها.. فقد صدعت السفيرة مشيرة رؤوسنا سنوات طوال برفضها التمييز ضد المرأة، وهى دعوة محترمة أؤيدها بشدة.. ولكن من يرفض التمييز عليه أن يرفضه بكل صوره وأشكاله، ولا يتخير ما يشاء.. فكل الأديان والشرائع السماوية والقوانين والأعراف ومواثيق حقوق الإنسان ترفض التمييز بين الغنى والفقير، وبين المسلم والمسيحى، وبين المتعلم والأمى، وبنفس القدر الذى ترفض فيه التمييز بين الرجل والمرأة.. والذى يجب أن تعلمه الوزيرة جيدا أن الفقراء ومتوسطى الحال هم صمام أمان هذا البلد وليس الأغنياء فقط.. فإذا كانت الوزيرة قد دفعتها شجاعتها للإفصاح عن وجود مظاهر لعدم الانتماء فى المجتمعات الفقيرة، فالمطلوب أن تكون على نفس القدر من الشجاعة لتكشف لنا أسبابها وتوضح لنا المتسبب فيها بالاسم. ومشيرة خطاب أحدث وزيرة فى الحكومة.. وهى سيدة محترمة نشأت فى المدرسة الدبلوماسية المصرية العريقة.. والدبلوماسى عليه أن يتخير كلماته وألفاظه، ولا تقبل منه زلات اللسان، فمهمته أن يحاول الحفاظ على المناخ الملائم للتفاهم وإقامة العلاقات الودية.. وما كنت أتوقعه من السفيرة مشيرة حينما تصبح وزيرة أن تتحول إلى شخصية سياسية بجانب هويتها الدبلوماسية، وهاتان الصفتان معًا تجعلان من أى مسؤول شخصية ناجحة ومؤثرة.. وهى وزيرة تحمل ملفًا بالغ الخطورة والأهمية.. وهذا الملف يحتاج منها أن تحصل على دعم مجتمعى كبير.. وهو ما يتعارض مع ما سلكته وانتهجته.. فإذا كانت البداية خاطئة ستكون النهاية مؤسفة.. ولا أتصور أنها كانت تدرك خطورة تصريحها الأخير المستفز، ولا يمكن هنا قبول الادعاء بأنها أعلنت ذلك فى إطار ندوة محدودة وعلى نطاق ضيق، كما لا يمكن قبول أن الوزيرة كانت تعبر عن رأيها الشخصى بعيدًا عن منهج وفكر الحكومة التى تمثلها.. ونحن كمواطنين لا نقبل بفكرة وجود مسؤول ينزلق لسانه بإهانات لفئة من المواطنين مهما كانت قليلة العدد.. فإذا كانت الإهانة موجهة لغالبية الشعب المصرى، فلابد لنا من وقفة، خاصة أنها لم تتراجع عنها واكتفت بمطالبة الأغنياء بمساعدة الفقراء فى تحقيق طموحاتهم وتعليم أولادهم، وذلك أمام الملتقى الرابع لقضايا الأسرة، الذى عقد أمس الأول. الفقر ليس عيبًا لصاحبه فى حد ذاته.. ولا ينبغى لوم الفقير على فقره.. ولكن اللوم كل اللوم على الحكومة التى قذفت به للفقر ثم تخلت عنه.. وفى ظنى أن الانتماء فى الطبقات الفقيرة ليس محل شك على الإطلاق، فمن قاموا بثورة يوليو- رغم التحفظ على نتائجها- كانوا فقراء، ومعظم من قاموا بحرب أكتوبر كانوا أيضا جنودًا فقراء.. بل إن الوزيرة نفسها تنحدر من أصول ريفية فى كفر مصيلحة بالمنوفية، وهى نفس مسقط رأس الرئيس مبارك، الذى نشأ فى إحدى أسرها البسيطة، ولم نسمعه يشكك يوما فى انتماءات فقراء بلدته أو أى قرية أخرى.. كما أن الرئيسين عبدالناصر والسادات أيضًا خرجا من قريتين مشابهتين.. فهل يعيب رؤساء مصر أنهم نشأوا فى مناطق فقيرة ومن أسر متواضعة؟ الحقيقة أن أسلوب الوزيرة مشيرة خطاب لم يكن على قدر ما نتوقعه منها.. ولو تركنا الأمر يمر دون حساب سنجد من الوزراء والمسؤولين من يسب المواطنين علنًا، وسيتم إعلان الفقراء أعداء رسميين للحكومة التى اختارت مساندة ومؤازرة وتفضيل الأغنياء، وهم أقلية فى هذا الوطن.. وما يزعجنى أن الدكتور نظيف بحكم مسؤوليته كرئيس للحكومة لم يوجه لومًا علنيًا للسفيرة مشيرة ردًا على تصريحاتها العلنية.. ولم ينبهها لضرورة تصحيح موقفها للرأى العام.. ولم يسع بأى طريقة لنفى الصورة السلبية التى أكدتها السفيرة مشيرة عن حكومته وعلاقتها بالمواطنين الفقراء.. تمامًا كما لم تتراجع الوزيرة عن تصريحاتها المهينة للفقراء الذين يزيد عددهم على 75% من شعب مصر. العلاقة بين الحكومة والمواطنين فى مصر علاقة شاذة وغريبة لا يمكن أن تكون السفيرة مشيرة قد رصدتها فى أى دولة زارتها أو عملت بها.. وهذا التصريح يزيد الاحتقان الواضح فى الشارع أكثر وأكثر.. نريد مسؤولين يحترمون الفقراء ويسعون لتحسين أحوالهم، لا مسؤولين يفقرون المواطنين ثم يسبونهم بفقرهم. [email protected]