العلاقة بين الدولة وجماعة الإخوان أقرب ما تكون إلى عبارة قديمة، تقول: يجرى النهر ليصب فى البحر، فلا البحر يمتلئ، ولا النهر يجف! فلا يكاد يمر أسبوع إلا وتكون الحكومة قد ألقت القبض على عدد من قادة الجماعة أو كوادرها، وهو ما حدث هذا الأسبوع مع عبدالمنعم أبوالفتوح وآخرين.. ولن تكون هذه هى العملية الأخيرة، بمثل ما أنها لم تكن الأولى طبعاً! ولا تبدو نهاية قريبة فى الأفق، لهذا الصراع العبثى بين الطرفين، ولكن الذين يبدو على أوضح ما يكون، أن البلد بملايينه الثمانين من البشر، يدفع ثمن هذا الصراع من اللحم الحى كل يوم.. وقد جاء وقت زهق فيه الدكتور كمال أبوالمجد، من هذا المسلسل السخيف فى صراع الطرفين، فقال فى لحظة قرف منهما - ما معناه - إنه إذا كان البلد سوف يكون هو الضحية فى كل حلقة من حلقات شد وجذب لا ينتهيان بينهما، وإذا كان الحزب الوطنى سوف يظل يلاحق الجماعة بهذه الطريقة، وإذا كانت الجماعة سوف تظل تراوغ وتناور بهذا الأسلوب، دون الوصول إلى حل «ففى داهية الاتنين»! والحقيقة أنى ضد اعتقال الدكتور أبوالفتوح، وضد إحالته إلى محاكمة عسكرية، لأنى أصلاً ضد نهج الجماعة فى الحياة السياسية، وضد وجودها سياسياً بهذه الصورة، وضد الطريقة التى يتعامل بها الحزب الحاكم مع الجماعة، بالقدر نفسه.. وإذا كانت قيادة إخوانية مستنيرة، فى وزن فريد عبدالخالق، قد نصحت الجماعة بأن تتوقف عن ممارسة السياسة. وأن تتجه بكل طاقتها الهائلة إلى العمل الاجتماعى الذى ينفع الناس، على نحو مباشر، فإن أحداً فى الجماعة لم يكلف خاطره بالرد على دعوة مخلصة من هذا النوع.. وهى دعوة فى إخلاصها تتحرى مصلحة الجماعة، وتخشى عليها، بمثل ما تتحرى مصلحة البلد، ومستقبله، واستقراره! ولا أحد يعرف، كيف تصدع الحكومة رؤوس الناس، فى كل ساعة، بأن الإخوان جماعة «محظورة»، ثم يفاجأ الناس أنفسهم، بأن هذه الجماعة «المحظورة» موجودة فى كل موقع، بما فى ذلك مجلس الشعب نفسه!!.. أى عبث هذا؟! كان الأولى بالحزب الوطنى أن يركن قانون تمكين المرأة قليلاً، وأن يعمل بالهمة نفسها، على إصدار تشريع متوازن، يمنع سرقة السياسة تحت ستار الدين، ويتيح العمل فى السياسة للإخوان وغير الإخوان، من خلال الأحزاب المدنية الشرعية المعترف بها وحدها، كما حصل فى تركيا مثلاً.. فكل ما عدا ذلك سطو على السياسة، تحت شعار «قال الله وقال الرسول».. وشعارات أخرى! قانون كهذا، كان هو الأولى قطعاً، ولايزال،.. وليس قانون «تمكين» المرأة، التى يمكن أن يأتى عليها يوم فى ظل أوضاع مأساوية كهذه، بين الدولة والجماعة، تبحث فيه عن مجتمع «تتمكن» منه، فلا تجد!!