انتقد مهدى عاكف، مرشد جماعة الإخوان، الكتاب والمثقفين، لأنهم لا يدافعون عمن سماهم «الإصلاحيين الإسلاميين والإخوان منهم خاصة»، حين يتعرضون للاعتقال أو حين تنشب أزمات للجماعة مع الحكومة والجهات الأمنية، وقد أطلق المرشد هذا الانتقاد والهجوم فى معرض تناوله لإلقاء القبض على د.عبدالمنعم أبوالفتوح وتوجيه الاتهام له. أدهشتنى كلمات الرجل، فهو نفسه، سبق له أن اتهم من يطالبهم بالمساندة ويتوقع منهم الدفاع عن الجماعة، بالإلحاد وأنهم لا يعرفون الله ولا الدين، ونشر اتهامه ذلك على صفحات «المصرى اليوم» فى أعقاب إعلان نتائج المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب سنة 2005، وقتها فازت الجماعة بعدد غير متوقع من المقاعد، وقد اعتبر فى تصريحه وقتها جماعة المثقفين والكتاب الحاجز بين الجماعة والأجهزة الأمنية والحكومة ورجال القضاء.. ووصف ضباط أمن الدولة على وجه التحديد، فى لقاء على إحدى الفضائيات، بأنهم «حبايبى كلهم»، والحقيقة أن المرشد وعدداً من رموز جماعته أخذوا على عاتقهم دوماً مهمة تجريس المثقفين والكتاب أمام الشعب المصرى ورميهم بالإلحاد والكفر، وحين كان زيت الجماعة فى دقيق الحكومة والأمن سنوات السبعينيات، استعر التجريس، إلا من رحمه الله وهداه إلى أن ينضم إلى الجماعة أو يتعاطف معها، ومن باب أضعف الإيمان يرفع الراية البيضاء أمامها، وفى الذاكرة تهليل كوادر الجماعة وبعض قياداتها لاغتيال د.فرج فودة سنة 1992، والدفع نحو تكفير د.نصر أبوزيد، وإجباره على الخروج من وطنه شبه منفى. لا يعنى هذا أن لدى جماعة المثقفين رغبة فى الثأر أو نوعاً من الشماتة، ذلك أن د.عبدالمنعم أبوالفتوح تحديداً حاول أن ينفتح على المثقفين، ولا ننسى زيارته الشهيرة إلى الراحل نجيب محفوظ، فى جلسة الثلاثاء، وأهداه قلماً من الذهب، وأبدى أسفه لما تعرض له من سوء فهم الجماعة، وأبدى تقديراً شديداً لإبداعات وأعمال محفوظ، أعرف أن د.أبوالفتوح بادر إلى تهنئة عدد من الفائزين بجوائز الدولة هذا العام، قبل أيام من القبض عليه، وحين سألت أحدهم، هل يفعل ذلك باسمه أم باسم الجماعة..؟ لم نصل إلى إجابة، فما يقوم به فى النهاية محسوب للجماعة، لكن الأمر بالنسبة للدكتور عبدالمنعم وغيره فيه شىء غير واضح، على الأقل للمثقف.. ذلك أن التهم الموجهة إلى د.أبوالفتوح، متعلقة بأمور مالية، لا نعرف أولها من آخرها، وتبرعات جمعت ومفروض أن توضع فى حساب خاص بأحد البنوك وبشفافية تامة.. أقصد أننا لسنا بإزاء قضية تتعلق بموقف فكرى أو رأى أبداه د.أبوالفتوح ومن معه.. وعموماً هذه الجزئية متروكة لسير القضية والتحقيقات، وفى النهاية سيقول القضاء كلمته، ويتضح كل شىء، لكن هناك شيئاً غامضاً فى التعامل بين الجماعة وأجهزة الدولة أو بعضها، ولا يجد المراقب صعوبة فى رصد ملامح التقاء وتعاون فى بعض المواقع والمراحل وفى عدد من الخطوات.. فى النقابات، مثلاً - هناك تعاون بين رجال الجماعة ورجال الحزب الوطنى، وتوجد معادلة تقول أن تترك الجماعة موقع النقيب للوطنى، وأن يترك الوطنى معظم أعضاء المجلس للجماعة، فى نقابة الأطباء هناك نموذج د.حمدى السيد، النقيب والقيادى العتيد بالحزب الوطنى، ومعه رجال الجماعة فى المجلس، وفى نقابة الصحفيين لم يتمكن مرشحو الجماعة من دخول المجلس إلا على جناح النقيب الحكومى، والأسماء معروفة والوقائع كذلك.. باختصار هناك ما هو أكثر من شعرة معاوية بين الجانبين، وفى بعض الحالات تجد أن عوامل الالتقاء والتقارب بينهما أكثر من عناصر التباعد، ولذا لم يكن غريباً أن أسمع من أحد الذين يرصدون علاقة الجماعة برجال الحكم وأجهزته أن إلقاء القبض على د.أبوالفتوح، هدفه النهائى إقصاؤه وإزاحته من ساحة قيادة الجماعة، كما حدث من قبل مع خيرت الشاطر، والإزاحة تتم لفتح الباب واسعاً أمام د.محمد حبيب، كى يتربع على مقعد المرشد بلا منافسة حقيقية، واستدل صاحبى بصمت النائب محمد حبيب التام، وهدوء المرشد أمام ما يحدث، بينما هيج المرشد ونائبه الدنيا فى أمور أهون وأبسط من ذلك بكثير، فضلاً عن ذلك فإن ما يقوم به د.أبوالفتوح ليس جديداً، من جمع للأموال أو التعامل مع شركات الجماعة والاتصال بعناصرها خارج مصر. قد يكون ذلك الاستنتاج غير صحيح بالمرة، ولعله ينطلق من نظرية المؤامرة، وقد يكون صمت النائب محمد حبيب وتهدئة المرشد لتأكدهما من إدانة المقبوض عليهم وصحة الاتهامات، ولعل المرشد قصد عدم استفزاز الدولة أكثر من ذلك، حتى يمر الأمر بهدوء وتصل الجماعة إلى تسوية ما مع الدولة، أو على الأقل تكون العقوبة مخففة أو لا يتم إحالتها إلى القضاء العسكرى أو.. أو.. وأياً كان الأمر، فنحن بإزاء علاقة، وتعامل يكتنفه الغموض والقلق، لا يعرف مداه وحدوده ولا يصل إلى عمقه سوى الطرفين معاً، وأظن أنها باتت لعبة أشبه ب«القط والفأر» أو «توم وجيرى»، كل منهما استمرأ تلك العلاقة، والخسارة فى النهاية من نصيب المجتمع المصرى، الذى تتعطل فيه الحريات وتنتكس، وتزداد فيه الشكوك والغموض، أما الجماعة والدولة، فكل منهما يحقق بعض النقاط هنا أو هناك، وفقاً لمعيار صارم حدداه معاً.. ولذا فإن قطاعاً غير قليل من المثقفين يحجمون عن الخوض فى مثل هذه الأزمات، فلا هم يدافعون عن د.أبوالفتوح وإخوانه كما يحلم المرشد، ولا هم يطالبون بنصب المشانق لهم، كما يفعل بعض الكتبة الرسميين.. وهو موقف غير إيجابى وأقرب إلى اللامبالاة، وتلك قضية أخرى.