هذا الكتاب محاولة للنظر إلى سلوك الأفراد لا كأفراد، أو دراسة دوافعهم الذاتية فقط، وإنما الأهم هو معرفة نوع العلاقات التبادلية بينهم وأنماطها وتوجهاتها فى ظروف معينة، وذلك شأن الذرات حين تلتقى فيحدث بينها تفاعل ورد فعل واندماج ذاتى معين. وكما تؤدى الجاذبية بين الذرات إلى قوالب جامدة متماسكة، تصبح التبادلية بين الأفراد والجماعات أداة للتعاون والتماسك فى كيان المجتمع، وهى حصيلة التفاعل والآثار العائدة من التعاون بين الذرات الاجتماعية ويتوقف مدى التعاون على مدى ما يسهم به كل فرد أو جماعة، وكلما زاد ما يسهمون به زادت عوائد ما يسترد كل منهم. وهذا النمط أو التوجه العام هو الذى يضمن بقاء المجتمع ونماءه من خلال نظام مستقر نسبيا وليس متوقفاً على اختيار كل فرد. إذ الأهم هو الكشف عن النمط السائد أو عوامل القوة المتدفقة من الجماهير وفى إقدامهم الجماعى نحو أهداف وأعمال معينة دون معرفة من بدأها أو دعا إليها، وبالصورة نفسها يمكن حدوث خلل فى التفاعل بين الذرات المجتمعية وعلاقاتها فيبرز الصراع بين الطبقات وتتضح مظاهر التمييز، وأساليب الغش وطغيان المصالح الخاصة ليتم التوجه نحو نمط آخر تشيع فيه تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وتجاوز حب النفس وحينئذ تختلط الذرة الاجتماعية فى توجهها وفاعليتها بين الطمع والجشع وبين الإيثار والتعاون بين الناس فى الوقت ذاته. يضم الكتاب تسعة فصول يواصل فيها نظرته الفيزيائية إلى الإنسان كذرة، مؤكدا أن رؤية الناس كذرات فى مادة اجتماعية يمكن أن تنتج تفسير كثير من الأنماط التى تظهر مرة تلو الأخرى فى جميع المجتمعات الإنسانية ويتمثل هذا فى نشوء الطبقات الاجتماعية والتدفق الجائر الذى يتسم به حلول الثروة فى أيدى قلة من البشر، أو حدوث صراعات وحروب مفاجئة مثل ما حدث فى رواندا من القتل المدمر لآلاف من قبائل التوتسى على يد قبائل الهوتو، وقد كانوا، قبل ذلك التفجر الرهيب، مواطنين يتعايشون مع بعضهم فى سلام وكذلك مثل ما حدث فى يوغوسلافيا من عمليات القتل والذبح والاغتصاب بين الصرب وبين الكروات والبوسنة، ويقرر أن خلف تلك الظواهر والتحركات تبرز قوانين رياضية وفيزيقية بالغة التنظيم وليس العالم الإنسانى بأقل عملاً بتلك القوانين من العالم الطبيعى. وهذا بسبب ما تتضمنه الذرة الاجتماعية من خصائص التعاون والوحدة، والكتاب فى هدفه الأساسى يفتح عيوننا على دور الذرة الاجتماعية عند تفسير السلوك الاجتماعى الإنسانى وهو منهج جديد فى رؤية الظواهر والأحداث يروق للمؤلف أن يسميه الفيزياء الاجتماعية ولايزال الطريق طويلاً وشاقاً للتعرف على قوانين صارمة تحكم العالم البشرى. حيث إن التحدى الرئيسى فى عصرنا هو فهم التنظيم الجماعى فلم يحدث من قبل أن واجه الجنس البشرى مشاكل بخطورة تلك التى يواجهها اليوم، بدءاً من زيادة درجة حرارة الكون وما يلحق بالبيئة من تدهور، وصولاً إلى مضاعفة الأسلحة النووية وأنواعها. المؤلف مارك بوكانان باحث ومؤلف بريطانى متخصص فى الفيزياء النظرية، له عدة مؤلفات منشورة فى إنجلترا وأمريكا وتم ترشيح بعضها لجوائز عالمية. المؤلف : مارك بوكانان تقديم: د. حامد عمار ترجمة: أحمد على بدوى عدد الصفحات: 330 الناشر: الدار المصرية اللبنانية