فتاة عادية أجمع كل معارفها على أنها لم تعمل بالسياسة، ولم تكن تشارك فى المظاهرات التى اجتاحت طهران للمطالبة بإعادة الانتخابات الرئاسية، لكن قدرها بأن تُقتل على أيدى ميليشيا الباسيج حوّلها إلى رمز «للحرية» الإيرانية التى «اغتصبها» النظام الإيرانى بالتلاعب فى نتائج الانتخابات. وبالغ بعض الكتاب الغربيين لدرجة أنهم اعتبروها «شهيدة»، فى وقت يرفض فيه الغرب اعتبار أطفال فلسطين الذين يسقطون ضحايا للاحتلال «شهداء». إنها الشابةالإيرانية «ندا أغا سلطان».. «ملاك الحرية».. و»شهيدة طهران».. و«وجه إيران المأساوى». «ملاك الحرية».. هكذا وصفت صحيفة «الديلى تلجراف» البريطانية الفتاة الإيرانية ندا أغا سلطان، التى قتلت خلال المظاهرات الإيرانية فى غضون الأيام القليلة الماضية وأثارت مشاهد مصرعها، من خلال فيديو على الإنترنت، تأثراً بالغاً. باتت صورة «ندا» ممددة على الأرض قتيلة ومضرجة بالدماء رمزاً للحركة الاحتجاجية فى إيران، إذ تناقلتها مواقع الإنترنت ورفعها مناهضو النظام الإيرانى فى جميع أنحاء العالم، حيث شوهدت «ندا» فى شريط صوَّره أحد المتظاهرين قبل دقائق من إطلاق النار عليها، وفى شريط آخر، بدت وهى تسقط على الأرض بعد أن أصيبت برصاصة وجّهها رجل من الباسيج مباشرة إلى صدرها. بينما كانت تقف برفقة والدها على جانب من أحد الطرق فى ساحة كاريكار، بالعاصمة طهران، تراقب الاحتجاجات والمظاهرات، ثم سقطت على الأرض وكانت تحرك عينيها متابعة حركة المصوّر وهو يلتقط اللحظات الأخيرة لها، ثم سقط والدها إلى جانبها وهو يناديها، وركض رجل آخر، قال فيما بعد إنه طبيب، كان يحاول إنقاذها، وضغط على إصابتها محاولا وقف النزيف، ولكن بعد ثوان بدأت تنزف من فمها وأنفها، ولفظت أنفاسها الأخيرة. وباتت صور «ندا» ترفع على لافتات فى المظاهرات فى مختلف أنحاء العالم، فعلى سبيل المثال استخدمت صورة «ندا» الأسبوع الماضى فى عدد من المدن مثل لوس أنجلوس وإسطنبول، وكُتب تحتها «هذه هى الديمقراطية الإسلامية». وفى الوقت الذى استُشهد ويُستشهد فيه عشرات الفلسطينيين فى غزة والضفة الغربية يوماً تلو الآخر بأيدى جنود الاحتلال الإسرائيلى، لم تكتب يوماً أى صحيفة غربية عن استشهاد طفل فلسطينى، ولم تعتبر أى صحيفة أو مجلة أجنبية الفلسطينيين الذين يلقون حتفهم على أيدى الاحتلال «شهداء»، حتى بالنسبة لمن يعترفون بأن أولئك الأطفال هم ضحايا للاحتلال لا يصنفونهم باعتبارهم شهداء.. لكن عندما نتحدث عن إيران، التى تشهد توتراً فى علاقتها مع أمريكا وإسرائيل، يختلف الوضع بأكمله، وتنشر صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية مقالا يعتبر «ندا»، طالبة الفلسفة، «شهيدة» سقطت بينما لم تكن سوى «فتاة لا حول لها ولا قوة، ولا تحمل السلاح» تم قتلها برصاصة مباشرة فى صدرها على أيدى رجال النظام الإيرانى . كما وصفت صحيفة «التايمز» البريطانية ندا ب«شهيدة طهران» و«أيقونة ومصدر إلهام للمعارضين فى إيران»، ورأت الصحيفة أن الطريقة التى قتلت بها «ندا» التى تبلغ 27 عاماً، أصبحت ترمز إلى عنف النظام الإيرانى، واختتمت «التايمز»- نقلاً عن أحد المحللين الإيرانيين- بأن «صورة مقتل ندا ستبقى أبداً فى الذاكرة الجماعية للإيرانيين وستقض مضجع النظام الإيرانى إلى الأبد». واعتبرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أن ندا «وجه طهران المأساوى»، وتحدثت عن محتوى الشريط المصور، وأوضحت الصحيفة أنه نادراً ما يرسل شريط يصور ذبح شخص برىء بهذا الشكل وبهذه السرعة حول العالم رغماً عن الرقابة المشددة التى تمارسها السلطات الإيرانية على نشر المعلومات. بينما أشارت صحيفة «تايم» الأمريكية إلى أن قادة الثورة الإسلامية استثمروا معنى الشهادة للإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوى، واليوم مع موت «ندا» أصبح من المحتمل أن يتم استثمار الظاهرة نفسها مرة أخرى للإطاحة بهم.. ففى تاريخ الاحتجاجات، تحول أشخاص كثيرون إلى رموز لحركاتهم، وأوضحت الصحيفة: إن أشهرهم الصبى الفلسطينى محمد الدرة، الذى قُتل فى الأيام الأولى لانتفاضة الأقصى الثانية، عندما أطلق جنود إسرائيليون النار عليه وعلى والده بشكل متواصل لمدة 45 دقيقة، بينما كان الوالد يشير إلى الجنود لكى يتوقفوا عن إطلاق النار وهو يختبئ خلف برميل ويحاول أن يخبئ ولده، لكن محمد سقط فى حضن والده قتيلاً برصاص الجنود الإسرائيليين، وحينها هزت صور محمد الدرة العالم، وحوّلته إلى رمز الانتفاضة الثانية.. فهل تتحول ندا إلى محمد الدرة؟ هذا هو التساؤل الذى يثير الصحف والإعلام الغربى ويرد كثيرون عليه بالإيجاب.