3 - «لماذا تتصرفون هكذا؟». لم يكن السؤال الذى وجهه إلىّ زوج الحاخاماية الإسرائيلية معضلاً لكى لا أرد عليه بشكل حاسم وقاطع، فجأة فرملت زوجتى ما تصورته ردا تاريخيا فنبهتنى إلى أننى أتحدث بالعربية الفصحى، لأكتشف أن حبة الإنجليزى الذى كنت فرحا به طار مع انفعالى وأننى لم أكن أجيب على الرجل بل كنت أهتف فى وجهه، لذلك نقلت زمام القيادة إلى زوجتى التى باتت مطالبة بالإجابة على أسئلة أخرى انهالت عليها من الحاخاماية، أبرزها سؤال حول ذنب أطفالنا فى أن يُحرموا من اللعب معا بسبب اختلافنا، نسيت أننى أعطيت زوجتى توكيلا على بياض للرد فقلت منفعلا «وما ذنب أطفال فلسطين فى أن يُحرموا من الحياة بسبب تعاليم التلمود»، نبهتنى زوجتى إلى أننى أتحدث بالعربية مجددا، ثم أخذت نفسا عميقا وفتح الله عليها فقالت كلاما متماسكا لا يفارق ذهنى حتى الآن مع أننى وقتها كنت مشغولا بترجمته أكثر من انشغالى بالإعجاب به «بالتأكيد كنا سنكون سعداء بلعب أطفالنا سويا وبزيارة ضيعتكم بل وبدعوتكم لزيارة مصر وتعريفكم على أماكن ساحرة بها، لو كنتم فقط يهودا تمتلكون مبادئ إنسانية تجعلكم تمتنعون عن الاعتراف بوجود دولة تغتصب أرضا ليست أرضها، وتشرد أهلها بالقوة وتعتدى كل يوم على حقهم فى الحياة، سأسألك سؤالا: لو عرفتِ من خلال حديثك معى أننى وزوجى موافقان على ما يفعله تنظيم القاعدة بقتل المدنيين الأبرياء، وأننا نتفهمه ونجد له مبررات، هل ستسمحين لأطفالك باللعب مع ابنتنا، أم أنك ستبتعدين عنا فورا؟ أظن أنك ستبتعدين فورا، ولذلك نحن نبتعد عنكم الآن فورا، لعل ابتعادنا هذا يجعلك تفكرين فى أسباب الكراهية التى نكنها نحن كعرب ومسلمين لكل يهودى لا يخجل من إعلان دعمه لدولة تغتصب أراضى ليست لها وتقتل أهلها، فتفعلين مثلما فعل يهود كثيرون محترمون أعلنوا براءتهم من جنسية تلك العصابة التى لن تصبح دولة أبدا». ابتعدت زوجتى بعد أن قالت كلامها، ووجدت أنه ليس من المناسب أن أبتعد دون أن أقول شيئا، لكى لا تسأل الحاخاماية زوجها: ما الذى جعل زوجتى ترتبط برجل مثلى لا يعرف تجميع كلمتين على بعض؟ وجهت إصبعى نحو الرجل وقلت له «قبل أن أمشى هل يمكن أن تجيبنى كيف سيكون شعورك لو ذهبت إلى ضيعتك فوجدتنى احتللتها بقوة السلاح وقلت لك إن أجدادى كانوا قد أقاموا فيها قبل ألف عام وقمت بقتل طفليك؟»، زغدتنى زوجتى وقالت لى إن الجملة الأخيرة يمكن أن تعطى للرجل الحق فى أن يودينا فى ستين داهية، وأنا لم آبه لما قالته ونظرت ثانية للرجل وقلت له بالعربية «هه؟» ثم ابتعدنا وقد تركنا الرجل وزوجته فى حالة يرثى لها. الآن أسألك وأنا لا أمتلك إجابات قاطعة على أسئلتى التى سأدعوك للتفكير معى فيها: طالما فرضت الظروف علينا وعلى غيرنا لقاء كهذا لم نكن نتمناه أو نسعى إليه، هل كان الأفضل أن نكمل تجاهلنا للرجل وزوجته وننصرف دون أن نعبر عن منطقنا الرافض لهما بما قدرنا الله عليه، طيب أليس الأفضل لقضيتنا العادلة أن نواجه الإسرائيليين هكذا فى كل المحافل الدولية التى لا نملك أن نتحكم فى وجودهم بها؟، لماذا لم نستجب حتى الآن لتلك الدعوة المهمة التى أطلقها الكاتب الكبير صلاح عيسى بضرورة عقد مؤتمر وطنى تحضره كل القوى السياسية والتيارات الفكرية لتحديد معايير لمفهوم التطبيع، والمقاطعة تجعلنا لا نختلف كل شوية ذلك الاختلاف الممجوج الذى تفوح منه رائحة المزايدات الرخيصة، ولا تجعل بعض مثقفينا يضحك على الناس ويصور حضور حفل عازف إسرائيلى تتم دعوته لتدنيس دار الأوبرا على أنه رسالة سلام، وتجعل بعضهم الآخر يصور حضور مؤتمر صحفى يعقد فى بلادنا وعلى أرضنا على أنه تطبيع، ولماذا لا نقاطع جميعنا مثلا الروائية أهداف سويف والعالم الجليل أحمد زويل لأنهما زارا إسرائيل؟، ولماذا لا نقاطع قناة الجزيرة التى تستضيف إسرائيليين يوميا، وتستضيف فى الوقت نفسه كل رموزنا الوطنية التى يزايد بعضها على زملاء لهم لم يرتكبوا تطبيعا مباشرا، ألسنا حقا بحاجة فورية لتحديد معايير ومحددات التطبيع، ليس من أجلنا بل من أجل الأجيال القادمة التى لن تكون تناقضاتنا ولخبطتنا فى مصلحتها أبدا؟ أخشى ما أخشاه أن تدير ظهرك لكل هذه الأسئلة وتسألنى «وإنت بقى إيه اللى وداك ويلز أساسا؟». * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]