«آي صاغة»: تراجع أسعار الذهب محليا وعالميا مع توقعات خفض الفائدة الأمريكية    محافظ المنيا يتفقد عددا من المخابز البلدية لمتابعة انتظام العمل    تركيب الشبكات الخارجية والداخلية لتوصيل الغاز ل34 قرية بالشرقية    «القاهرة الإخبارية»: سقوط عدة صواريخ على مناطق غير مأهولة جنوب الجولان    لقطات تعرض لأول مرة من الجانب المظلم للقمر.. «التربة تكشف أسرارا جديدة»    خدمة في الجول – طرح دفعة ثالثة من تذاكر مباراة مصر وبوركينا فاسو    إجراء مقابلات شخصية لاختيار أخصائي تخاطب بمراكز شباب القليوبية    «الأرصاد»: فصل الصيف 2024 بدأ مناخيا أمس.. ورسميا 20 يونيو    اعتماد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في محافظة السويس.. اعرف درجاتك    مشهد مؤثر بين مي عز الدين ووالدتها في لوكيشن التصوير.. «بتستناها 18 ساعة»    سنن الأضحية.. اعرف ما يستحب فعله لنيل الثواب    موعد صيام العشر من ذي الحجة.. اعرف فضلها والأعمال المستحبة فيها    توقيع الكشف الطبي على 1314 حالة مجانا في قافلة طبية بملوي    وزير المالية: مشكلة الاقتصاد الوطني هي تكلفة التمويل داخل وخارج مصر    الظهير الأيسر وملف المحترفين ودعم الهجوم.. يلا كورة يرصد خريطة ميركاتو الأهلي في الصيف    الوكرة يكشف ليلا كورة.. حقيقة طلب التعاقد مع أليو ديانج    موعد والقناة الناقلة لمباراة الزمالك وسبورتنج بنهائي كأس اليد    وزير الإسكان ومحافظ الإسكندرية يتفقدان مشروع إنشاء محور عمر سليمان    «اعتبارًا من اليوم».. بدء تطبيق عقوبة مخالفي الحج لمن يتم ضبطهم دون تصريح    أهالي قنا يشيعون جثامين 3 أشخاص لقوا مصرعهم في مرسى علم    تأجيل نظر طعن المتهمين بقتل شهيدة الشرف بالمنصورة    بدء تفويج حجاج القرعة من المدينة المنورة الى مكة المكرمة    «جبالي» يحيل اتفاقية تمويل مشروع «الصناعة الخضراء» للجنة التشريعية    الكلمة هنا والمعنى هناك: تأملات موريس بلانشو    بردية أثرية تحدد بدقة «مسار العائلة المقدسة»    الفنان أحمد حلمي: الفنان مسئول عن تقديم الحقيقة للعالم بصدق ووضوح    الحوار الوطني يستأنف اجتماعاته لمناقشة أبرز القضايا الطارئة ذات الأولوية داخليًا وخارجيًا    كوريا الشمالية ترسل 600 بالون إضافي محملين بالقمامة عبر الحدود    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر    حج 2024| «الأزهر للفتوى» يوضح حكم الحج عن الغير والميت    توجيه جديد لوزير التعليم العالي بشأن الجامعات التكنولوجية    تحرير 139 مخالفة للمحلات غير الملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    غرفة الرعاية الصحية باتحاد الصناعات: نتعاون مع القطاع الخاص لصياغة قانون المنشآت الجديدة    في زيارة أخوية.. أمير قطر يصل الإمارات    الخارجية الفلسطينية ترحب بدعوى تشيلي ضد إسرائيل أمام محكمة العدل    نسرين طافش تكشف حقيقة طلبها "أسد" ببث مباشر على "تيك توك"    أمناء الحوار الوطني يعلنون دعمهم ومساندتهم الموقف المصري بشأن القضية الفلسطينية    توريد 125 طن قمح لمطحن الطارق بجنوب سيناء    حفر 30 بئرًا جوفية وتنفيذ سدَّين لحصاد الأمطار.. تفاصيل لقاء وزير الري سفيرَ تنزانيا بالقاهرة    عيد الأضحى.. موعد أطول إجازة متصلة للموظفين في شهر يونيو 2024    أعلى نسبة مشاهدة.. حبس سيدة بثت فيديوهات خادشة عبر فيسبوك بالإسكندرية    وظائف جديدة في 15 محافظة.. 38 صورة بأرقام التليفون وطرق التقديم والمرتبات (قدم فورا)    رئيس الوزراء يُتابع إجراءات سد العجز في أعداد المُعلمين على مستوى الجمهورية    غرفة الرعاية الصحية: القطاع الخاص يشارك في صياغة قانون المنشآت    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي، الوصفة الأصلية    رسمياً.. منحة 500 جنيه بمناسبة عيد الأضحى لهذه الفئات (التفاصيل والموعد)    «الداخلية»: ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي ب9 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    مجلس الزمالك يسابق الزمن لتجهيز مستحقات الفريق.. ومفاجأة بخصوص جوميز (خاص)    سيناتور أمريكي: نتنياهو «مجرم حرب» لا يجب دعوته للكونجرس    زيادة رأسمال شركة أبو الهول المصرية للزيوت والمنظفات إلى 200 مليون جنيه    وزيرة التخطيط ل"النواب": الأزمات المتتالية خلقت وضعًا معقدًا.. ولابد من «توازنات»    وسائل إعلام لبنانية: شهيدان مدنيان في غارة إسرائيلية على بلدة حولا    محافظ كفر الشيخ يعلن أوائل الشهادة الإعدادية.. والطالبات يكتسحن القائمة (أسماء)    متحدث الزمالك: شيكابالا أسطورة الزملكاوية.. وهناك لاعب يهاجمه في البرامج أكثر مما يلعب    ل برج الجوزاء والعقرب والسرطان.. من أكثرهم تعاسة في الزواج 2024؟    قيادات «المتحدة» تبحث مع البابا تواضروس إنتاج أعمال عن التاريخ القبطي    «خبرة كبيرة جدًا».. عمرو السولية: الأهلي يحتاج التعاقد مع هذا اللاعب    قصواء الخلالى ترد على تصريحات وزير التموين: "محدش بقى عنده بط ووز يأكله عيش"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النموذج البريطانى: بريق الهدوء

نظر كثير من العرب إلى بريطانيا على أنها دولة أوروبية «أمريكية الهوى»، تدفعها ثقافتها الأنجلوسكسونية إلى التحالف الدائم مع أمريكا، وتتسم سياستها الخارجية بالعملية الشديدة والهدوء، الذى يصل أحيانا لدرجة البرود، ومع ذلك شيدت فى الداخل نموذجا فريدا فى التعامل مع الأقليات العرقية، ربما يكون غير مسبوق فى العالم كله.
ويمكن اعتبار الثقافة البريطانية إجمالا ثقافة محافظة بطيئة التغيير، ليس فى تاريخها ثورات أحدثت قطيعة مع النظام القائم، إنما هى ثورات من أجل إصلاح النظام القائم، وبالتالى تطورت نحو الملكية الدستورية، وليس النظام الجمهورى على الطريقة الفرنسية.
ولأنى عشت فى فرنسا ثمانى سنوات فأعرف جيدًا بريق النموذج الفرنسى فى جوانبه التحررية والليبرالية (وأحيانا الثورية)، وبالتالى ظل النموذج البريطانى بالنسبة لى هو النموذج الرجعى المحافظ، الذى لم يكن فيه يسار ثورى كما كان فى فرنسا، إلى أن زرت بريطانيا 5 مرات وبدأت أعيد النظر فى كثير من هذه التصورات.
الزيارة الأولى كانت فى عام 1995 وكنت مازلت طالبا فى فرنسا واكتشفت حين وطأت قدماى العاصمة البريطانية (بقيت فيها لمدة زادت على أربعة أشهر) أننا أمام نموذج مختلف عن منافسة الفرنسى وإن تقاليده العريقة الراسخة جعلته البلد الوحيد فى العالم الذى يتسامح بهذا الشكل الملفت مع الأقليات العرقية والدينية، ومع أيضا (وهذا هو الأهم) حريتها فى التعبير عن تمايزها الثقافى والدينى (الجلباب والحجاب وأحيانا النقاب للمسلمين، وغطاء الرأس الخاص بالهندوس)، وهو البلد الوحيد الذى يسمح فيه للشرطة بارتداء عناصرها لغطاء رأس إسلامى أو آخر هندوسى، بشرط وضع الشارة الملكية.
وعدت إلى بريطانيا مرة أخرى فى نهاية التسعينيات فى زيارة شبه سياحية، إلى أن زرتها ثلاث مرات منذ 2006 وحتى هذا الأسبوع فى، ندوات علمية مختلفة الأولى كانت فى معهد Chatham House، وهو أبرز معاهد المملكة المتحدة، وأذكر أنى تحدثت بالفرنسية، أما الثانية فكانت فى 2008 بدعوة من جامعة Westminster وتحدثت بالعربية، أما الزيارة الأخيرة فكانت هذا الأسبوع فى جامعة برمنجهام (تبعد عن لندن حوالى 250 كيلو) وتحدثت باللغة الإنجليزية، بعد أن ظللت أراجع الورقة التى قدمتها عدة مرات، ذكرتنى بأيام الثانوية العامة، حتى وفقت فى تقديمها بصورة مناسبة.
والحقيقة أن بريطانيا حالة أوروبية فريدة، فهذا المجتمع المحافظ الذى يصفه البعض بأنه بارد، أنتج واحدًا من أكثر المجتمعات الأوروبية تسامحًا وديمقراطية تجاه الآخر، وترجم «محافظته» السياسية بشكل كفء وفعال فى مجالات الصحة والتعليم والخدمات العامة.
ومن المعروف أن الجامعات البريطانية كلها بمصروفات مرتفعة (مع وجود نظام واسع فى المنح الدراسية)، ولكنها حولت هذه المصاريف إلى منتج علمى حقيقى يقدم للطالب، وهو فى الحقيقة على عكس الحالة المصرية التى امتلكت فيها الجامعات الخاصة ثقافة «تهليب» الطلاب، بدفع مصاريف مرتفعة فى مقابل نجاحهم، حتى لو كتبوا أى كلام فى أوراق الإجابة، فى الوقت الذى حافظت فيه الجامعات الحكومية، بتبلد تحسد عليه، على تدهورها المستمر حتى امتلكنا جامعات عامة وخاصة محدودة الصلة بالتعليم،
وتلك عبقرية تدل على «إنك أكيد فى مصر»، لأن المدافعين عن التعليم بمصروفات أو التعليم العام قد فشلا باقتدار فى تقديم نظام تعليمى به الحد الأدنى من الكفاءة المطلوبة، وتلك عبقرية مصرية فى تحويل الخيارات السياسية التى صنعت نظمًا تعليمية ناجحة فى العالم كله إلى فشل.
وقد عقد مؤتمر جامعة برمنجهام فى مركز الدراسات الأوروبية، وهو مبنى جديد ومجهز بصورة حديثة، وكانت الجلسة التى تحدثت فيها عن الحوار بين شمال وجنوب المتوسط، ورأستها من وجهت لى الدعوة الدكتورة «ميشيل باس»، البريطانية من أصل مالطى، وسبق أن التقيتها منذ عدة أشهر فى مكتبى بالأهرام، وكانت تعد بحثًا عن تداعيات حرب غزة، وذهبت بالفعل إلى هناك وشاهدت مآسى حقيقية على أرض الواقع بالمعنيين السياسى والإنسانى،
وكيف أن صور مئات الأطفال الذى سقطوا ضحية العدوان الإسرائيلى قد حركت الضمير الأوروبى، فى حين تجاهلنا نحن بتبلد نادر الجروح الإنسانية التى خلفها سقوط أكثر من 400 طفل فلسطينى، كل منهم يحكى مأساة إنسانية مروعة تحتاج إلى عشرات الكتب والبرامج التليفزيونية للحديث عنها وتعزية ضحاياها.
وحين التقيت د. ميشيل فى جامعة برمنجهام ذهلت من حجم التعاطف والدعم الذى تقدمة إلى القضية الفلسطينية، وكيف أنها أحيانا تخرج عن «الخطوط الحمراء»، المتعارف عليها ضمنا فى الأوساط الأكاديمية البريطانية. وقد وجدت فى مكتبها بالجامعة ملصقًا فيه إدانة لجدار الفصل العنصرى فى فلسطين، وآخر لدعم أطفال الحجارة، وهى نوعية من الصور الإنسانية التى اختفت من عندنا، لأننا اكتفينا إما بوضع ملصقات دينية على مكاتبنا، لكى نطبق عكس ما تقول، أو بوضع صور الرؤساء والحكام، نفاقا فى أحيان كثيرة غير مطلوب.
وقد سعدت بمستوى المناقشات والحاضرين، خاصة بعد أن جاءتنى طالبة بريطانية من أصل مصرى اسمها «كريستين» تعرفنى من «المصرى اليوم» English، على حد تعبيرها لأن العربى «بتاعها ضعيف، وكانت تتابع أخبار مصر يوميا ومتحمسة للحديث فى السياسة وإصلاح أحوال البلد بصورة مفرحة.
وفى اليوم الأخير وبعد انتهاء أعمال الندوة دعتنى د. ميشيل وزوجها النرويجى إلى حضور حفل «للنساء المسلمات فى برمنجهام»، واللطيف أنه رغم الحرارة التى تستقبل بها ميشيل ضيوفها وطلابها وزملاءها فى الجامعة، وحماسها الشديد حين تتحدث فى قضية سياسية، بدا أن وجود شريك حياة هادئ ودمث من أقصى الشمال عنصر استقرار لهذه العلاقة، فكثيرا ما يكون اختلاف الطبائع بين شريكى الحياة عنصرًا فى صالح العلاقة الزوجية لا العكس كما يتصور البعض.
وحين دخلنا الحفل، الذى كان عبارة عن لوحات فنية وأغنيات مختلفة قدمتها نساء مسلمات، فوجئنا بطاولة عليها بعض الصور واللوحات وتقف خلفها فتاة منتقبة، وهو مشهد بريطانى صرف، لأن القاعة ليست قاعة فى مسجد، بل هى قاعة مملوكة للدولة وكل العاملين بها من البريطانيين، والقانون فى بلد مثل فرنسا يمنع ليس فقط النقاب إنما أيضا ارتداء الحجاب فى المؤسسات العامة، وهذا عنصر تفرد إنجليزى من الصعب تكراره فى بلد أوروبى آخر.
أما المطربات، فكنّ ست فتيات، ثلاث منهن غير محجبات وثلاث أخريات محجبات، ولم تكن هناك فتاة منتقبة أخرى غير التى رأيناها فى مدخل القاعة، أما الحضور فكان معظمه من البريطانيين، ولم يثر وجود هذا التنوع الثقافى أى غضاضة لديهم.
وبانتهاء المؤتمر والسهرة، ذهبت فى اليوم التالى إلى لندن وبقيت فيها يومين قبل أن أستقل الطائرة وأعود إلى القاهرة، وهناك ستجد توليفة من كل أشكال الطيف السياسى المعارض د. كمال الهلباوى ود.أحمد صابر، والشيخ أسامة رشدى، وهناك من الأصدقاء الإعلاميين نجلاء العمرى فى ال BBC، وخالد الشامى فى القدس العربى، ومحمد هانى فى صحيفة الحياة،
وهناك صديقى اللبنانى البريطانى د.نديم شحاتة، الذى يعمل فى معهد Chatham House، وأخبرنى عما يراه من تحول يحدث فى أوروبا وأمريكا بعد مجىء أوباما فى اتجاه الحوار المباشر مع التيارات الإسلامية، وتلك قضية معقدة تحتاج إلى مناقشة أخرى، ولكنها لا تحول دون جعل الذهاب إلى لندن متعة تهدئ النفس وتنشط العقل.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.