فوة.. المدينة المنسية

فى العام 1988 رحب رئيس مجلس مدينة فوة أن يطبع بحثاً كنت أعددته فى الجامعة، وطورته بعد تخرجى فيها، يؤرخ ويصف تراث مدينة فوة فى محافظة كفر الشيخ، التى كانت عاصمة لأحد أقاليم الدلتا فى العصر الفرعونى، ثم ميناءً تجارياً مهماً فى العصرين الأيوبى والمملوكى، نتيجة للحروب الصليبية التى لم تكن تسمح بأن ترسو السفن فى أمان بالإسكندرية، فكان عليها سلوك خليج الإسكندرية (ترعة المحمودية حالياً)، لترسو فى فوة التى صارت مقراً لقناصل إيطاليا وفرنسا، وواحدة من أعظم مدن مصر التى ما زالت تزخر بآثار لا حصر لها، وكم كانت صدمتى كبيرة حين زرت فوة مؤخراً، لأجد عدداً من منازلها القديمة وقد هدم بما فيها مقر القنصل الإيطالى بها.
لكن دعونى أقودكم إلى فوة، لهذه المدينة روح خاصة لوقوعها على شاطئ النيل من فرع رشيد فى ثنية من النهر، جعلتها تسكن ضفافه وكأنها تعانق صفحات المياه، وعلى طول شاطئها تظهر المآذن البيضاء، لتدلك على كم هائل من المساجد الأثرية التى تعود للعصر المملوكى والمجددة فى العصر العثمانى، بل ستذهل من روعة ودقة التفاصيل المعمارية والفنية فى هذه المساجد.
 لكن ليس هذا كل شىء إن الأهم فى المدينة هو روحها التى تكسبها طابعاً خاصاً، بل ميراث أهلها من الحرف التقليدية، خاصة صناعة الكليم اليدوى، الذى إن تم تسويقه بصورة جيدة سينافس غيره من المنتجات التقليدية فى العديد من بلدان العالم.. إن كنت جائعاً فلا شك أن أمامك فى فوة خيارين أساسيين، أولهما الفول الفوى بالزيت الحار، وثانيهما الفسيخ الذى يجيد أهل فوة صناعته بطريقة صحية.
والجولة داخل فوة تقود إلى شوارع وحوارى ستندهش مما بها، لكن السؤال الذى تطرحه معى فى ذهنك: لماذا هذه المدينة مهملة؟
المجلس الأعلى للآثار بذل جهوداً مشكورة فى فوة فسجل آثارها ورممها، بل أقام مركزاً للوعى الأثرى بها، لكن مشروع فوة لم يكتمل بعد لحاجتها لمتحف يضم تراثها الفنى ويكون منطلقاً لزيارتها، وبالتالى فالدور على مجلس مدينة فوة الذى يغط فى النوم غطا، فدوره ينحصر فى تنظيم الشوارع ومتابعة المبانى.
أما تعظيم الاستفادة من تراث المدينة والتعريف بها فهو دور يبدو أنه منوط بأناس آخرين مجهولين يحملون عبء هذه المسؤولية، حتى إن محافظ كفر الشيخ الحالى يبدو أنه لا يعلم بهذه المدينة وأهميتها، وعليه فلا يوجد مخطط شامل للتنمية السياحية للمدينة، ولا حتى موقع إلكترونى لها باللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية، بل ستعجب معى إن عرفت ولا حتى فندق أو نزل شباب بها. يزور فوة من حين لآخر زوار من فرنسا وبريطانيا وبعض الدول العربية، وصارت فى السنوات الأخيرة مقصداً لطلاب الآثار والدارسين لتاريخ العمارة.
وأنا أتوقع فى حالة الكشف عن المدينة القديمة الفرعونية التى هدمت إثر زلزال عنيف هز دلتا النيل فى أوائل القرن ال7م، أن يتم الكشف عن مفاجآت وكنوز هائلة، ومازالت هذه المدينة قائمة أسفل المدينة الجديدة فى تل أثرى معالمه واضحة عند مسجد القنائى إلى المسجد العمرى بها، ولكن هيهات أن تفهم محافظة كفر الشيخ، ومجلس مدينة فوة بالتبعية، ما لديهم من كنوز لا يرونها؟