تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج جورجيا بتجارة القاهرة    آخر تحديث لأسعار الذهب في أول أيام عيد الأضحى.. اعرف عيار 21 بكام    هل تعمل مراكز تحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي في عيد الأضحى؟.. مصدر يوضح    زيلينسكي: سنواصل العمل من أجل السلام على المستوى الفني    صربيا بالقوة الضاربة في مواجهة إنجلترا    إقبال كبير على مراكز الشباب بالقليوبية للاحتفال بعيد الأضحى.. فعاليات متنوعة    مشجعة كأس العالم تعلق على خسارة كرواتيا باليورو 2024    وفاة خامس حاج من كفر الشيخ أثناء رمي الجمرات.. «مات بلبس الإحرام»    "Inside Out 2" يزيح "Bad Boys 4" من صدارة شباك التذاكر الأمريكي    ماذا يحدث في أيام التشريق ثاني أيام العيد وما هو التكبير المقيّد؟    سويسرا تعتزم إجراء محادثات مع روسيا بعد قمة السلام بشأن أوكرانيا    الغندور ينتقد صناع "أولاد رزق" بسبب "القاضية ممكن"    القبض على 50 مشجعا إيطاليا يحملون عبوات ناسفة قبل مباراة ألبانيا في يورو 2024    «افعل ولا حرج».. مبادرة لإثراء تجربة ضيوف الرحمن    محد لطفي: "ولاد رزق 3" سينما جديدة.. وبتطمئن بالعمل مع طارق العريان| خاص    الدراما النسائية تسيطر على موسم الصيف    مراسل القاهرة الإخبارية: غارة إسرائيلية على بلدة كفركلا جنوبي لبنان    ريهام سعيد تبكي على الهواء (تعرف على السبب)    «أتوبيس الفرحة».. أمانة شبرا بمستقبل وطن توزع 3000 هدية بمناسبة عيد الأضحى| صور    رئيس الإدارة المركزية للرعاية الحرجة يتفقد مستشفيات مطروح.. صور    مرور مكثف على مكاتب الصحة ومراكز عقر الحيوان بالإسماعيلية    وزير الداخلية الباكستاني يؤكد ضمان أمن المواطنين الصينيين في بلاده    في 4 أيام.. إيرادات "اللعب مع العيال" تتجاوز 3 ملايين جنيه    في أقل من 24 ساعة.. "مفيش كدة" لمحمد رمضان تتصدر التريند (فيديو)    الأهلي يتواصل مع ميتلاند الدنماركي بسبب نسبة الزمالك من صفقة إمام عاشور    فلسطينيون يحتفلون بعيد الأضحى في شمال سيناء    التصعيد مستمر بين إسرائيل وحزب الله    لتحسين جودتها.. طبيبة توضح نصائح لحفظ اللحوم بعد نحر الأضحية    قصور الثقافة بالإسكندرية تحتفل بعيد الأضحى مع أطفال بشاير الخير    عيد الأضحى 2024.. اعرف آخر موعد للذبح والتضحية    وصية مؤثرة للحاجة ليلى قبل وفاتها على عرفات.. ماذا قالت في آخر اتصال مع ابنها؟    جامايكا تبحث عن انتصارها الأول في الكوبا    وفاة ثانى سيدة من كفر الشيخ أثناء أداء مناسك الحج    يقام ثاني أيام العيد.. حفل أنغام بالكويت يرفع شعار "كامل العدد"    تقارير: اهتمام أهلاوي بمدافع الرجاء    هالة السعيد: 3,6 مليار جنيه لتنفيذ 361 مشروعًا تنمويًا بالغربية    «سقط من مركب صيد».. انتشال جثة مهندس غرق في النيل بكفر الزيات    ضبط 70 مخالفة تموينية متنوعة فى حملات على المخابز والأسواق بالدقهلية    القوات الروسية تحرر بلدة «زاجورنويه» في مقاطعة زابوروجيه    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    روسيا: مقتل محتجزي الرهائن في أحد السجون بمقاطعة روستوف    3 فئات ممنوعة من تناول الكبدة في عيد الأضحى.. تحذير خطير لمرضى القلب    رئيس دمياط الجديدة: 1500 رجل أعمال طلبوا الحصول على فرص استثمارية متنوعة    كرة سلة.. قائمة منتخب مصر في التصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس 2024    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 16 يونيو 2024    عيد الأضحى 2024.. "شعيب" يتفقد شاطئ مطروح العام ويهنئ رواده    قائمة شاشات التليفزيون المحرومة من نتفليكس اعتبارا من 24 يوليو    النمر: ذبح 35 رأس ماشية خلال أيام عيد الأضحى بأشمون    ما أفضل وقت لذبح الأضحية؟.. معلومات مهمة من دار الإفتاء    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد بدر    بالصور.. محافظ الغربية يوزع هدايا على المواطنين احتفالا بعيد الأضحى    حاج مبتور القدمين من قطاع غزة يوجه الشكر للملك سلمان: لولا جهوده لما أتيت إلى مكة    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد ناصر الكبير    المالية: 17 مليار دولار إجمالي قيمة البضائع المفرج عنها منذ شهر أبريل الماضى وحتى الآن    محافظ كفرالشيخ يزور الأطفال في مركز الأورام الجديد    ما هي السنن التي يستحب فعلها قبل صلاة العيد؟.. الإفتاء تُجيب    بالسيلفي.. المواطنون يحتفلون بعيد الأضحى عقب الانتهاء من الصلاة    ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرايا الثورة المصرية
نشر في المصري اليوم يوم 08 - 01 - 2013

«السؤال حول إمكانية اكتشاف الفكر الإنساني للحقيقة الموضوعية ليس سؤالاً نظريًا، هو– قبل أي شيء آخر– سؤال عملي» كارل ماركس
على مدى عامين طوال، يتزامن مع الصراع الدائر بين ظهرانينا في قلب الثورة المصرية- ذلك الصراع المتأجج في الشوارع والصناديق، في القلوب والحناجر- صراع آخر حول معنى الثورة ومبناها. فكأنما الثورة ليست «حقيقة تاريخية» وإنما «وجهة نظر» يراها كل على حسب وعيه، مصالحه أو ظروفه أو وضعه الطبقي والسياسي!
صراع المعنى يؤسس لصراع الواقع وينتج عنه. فالثورة ينبغي ألا ننسى ليست مجرد حركة في الشارع، وإنما وعي بالهدف وإصرار على السعي إلى تحقيقه. ومن ثم فمن يسرق المعنى يسرق الثورة أو يكاد.
فهل الثورة المصرية محض ثورة ديمقراطية على الطريقة الغربية خرج فيها الملايين بغضا للديكتاتورية وبحثًا عن حلم الديمقراطية التمثيلية؟ هل هي، كما يقول بعض الساسة، معركة من أجل نزاهة الصناديق؟ هل هي، كما يصر آخرون، نضالا من أجل الحريات الليبرالية؟ هل كان الشهداء يموتون من أجل البرلمان والانتخابات والأحزاب؟ هل كانت تزهق أرواحهم في محمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية والاتحادية، بينما تترائى أمام أعينهم صورة «الدولة الفاضلة» الأمريكية أو الأوروبية الغربية بصفتها غاية المراد من رب العباد؟
إذا كان ذلك كذلك فكيف نفسر حقيقة أن شلالات الدم لا تني تنفجر بالضبط قبيل كل استحقاق انتخابي، وكأن الصناديق الشفافة تحتاج أن تروى الأرض تحتها بالدم حتى تبوح بأسرارها التصويتية.
وكوجه آخر لنفس الرؤية، أفلا تكون الثورة المصرية ثورة صنعها البرادعي، ذلك البيروقراطي الدولي الذي دخل معترك السياسة بعد أن اشتعل رأسه شيبًا؟ إذ لا زال البعض يرى أن البرادعي هو المسؤول الأول عن خلق حالة وحركة فتحا بابًا جديدًا في هذا البلد المنكوب: باب التغيير والثورة؛ يرى البعض أن هذا الرجل هو صاحب «الضربة الأولى» التي حولت الحلم إلى حقيقة وقصمت ظهر الديكتاتورية المباركية.
لكن ألم تسبق كفاية البرادعي؟ ألم تكن كفاية هي الأخرى ثورة أمل في أوساط الطبقة الوسطى وشبابها؟ فلم لم تندلع ثورتنا قبل خمسة أو ستة أو سبعة سنوات، أيام كانت كفاية ملء السمع والبصر؟ لم انتظرت الثورة هذه السنوات الطويلة؟ وماذا حدث حتى تنضج، في 2011، ظروف لم تتوفر منذ أن نُكب البلد بالديكتاتورية قبل ستين عاما؟
أم أن الثورة المصرية، كما يحلو للسادة في الإعلام السائد أن يتملقوا شبابنا، ثورة شباب؟ وإن كانت كذلك، فما معنى هذا؟ هل المقصود أن الشباب تمردوا على الكهول والشيوخ؟ إذن، فهل لم يشارك في الثورة إلا الشباب؟ أم أن المقصود أن الشباب قادوا الحركة الشعبية الأوسع؟ وإن كان الأمر كذلك، فماذا في هذا؟ أليست كل الثورات، بهذا المعنى، ثورات شباب؟ أليس الشباب هم دائما وقود الثورات ومشعلوها؟ أم أن المعنى، والفارق، بين ثورتنا وثورات الآخرى هو أن دور الشباب البارز كان انعكاسًا لفشل السياسة التقليدية والساسة المحترفين؟ وهل المقصود في هذا السياق، وكما يظهر من رطان فضائيات الطبقة السائدة، فقط شباب الطبقة الوسطى الذي انتظم في حركات ظهرت وبرزت في السنوات الأخيرة لتملأ فراغا سياسيا كانت تعيشه مصر الديكتاتورية؟ أم أن شبابية الثورة، حتى يكون للكلمة معنى، هي شبابية شعبية لا تفرق بين طبقة وطبقة؟ ولم، والحال هكذا، لا يظهر في الفضائيات أو ينتخب في البرلمانات إلا شباب السلمية والتكنولوجيا والكلمات المنمقة، بينما يجود شباب الحرافيش بحياته في الزاويا المنسية في معارك هي المسؤولة عن استمرارية الثورية وإصرارها الذي لا يلين؟
وهل الثورة المصرية ثورة تكنولوجية؛ ثورة فيس بوك كما يسمونها؟ طبعا هذه الصفة ترتبط تماما بالصفة السابقة، أي بشبابية الثورة. فمن غير الشباب يمكنه أن يلجأ، في التحريض والتعبئة والتنظيم، إلى أدوات التكنولوجيا الحديثة؟
ولكن إن كانت ثورة المصريية ثورة تكنولوجية، فلم وكيف شارك فيها من عيال الحرافيش والمعدمين من لم تكن له أي صلة بتلك التكنولوجيا المبهرة؟ ثم أن هذه التكنولوجيا نفسها نظمت سيل من المظاهرات السابقة على الخامس والعشرين من يناير 2011 التي لم تصل أبدا إلى حد الحركة الانتفاضية الواسعة، ناهيك عن الثورة الشعبية؟ فما الذي صنع ثورة من مجرد مظاهرة نظمها نشطاء الفيس بوك كغيرها من المظاهرات؟ كذلك، أوليس لكل عصر تكنولوجيته؟ فإن كانت تكنولوجيات العصور السابقة على فيس بوك لا تصنع الثورات، فلم كانت الثورات أكثر عددا وأبعد أثرا في قرون سابقة؟
وربما الثورة المصرية، كما يعتقد البعض، ليست أكثر من تنفيسة غضب عارم انفجر ضد الشرطة؛ ربما هي خناقة مع زبانية الداخلية. أوليس الرمز الأول الذي استهدفه الثوار والجماهير في أيامها الأولى هو أقسام الشرطة وكل رموز هذا الجهاز البغيض؟ لكن إن كان الأمر كذلك، فلم رفعت الجماهير أيامها شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» وتجاوزت الشعارات المبدئية التي ركزت على جهاز الشرطة واختارت لهذا السبب يوم 25 يناير لثورتها المقررة سلفا. ولم تم حرق مقار الحزب الوطني ولم يتم الاكتفاء بالأقسام؟ ثم أوليست الحقيقة هي أن كل الثورات تبدأ بمطالب محدودة نسيبا، ثم يؤدي السيل الجماهيري الهادر إلى تحول الحركة من أجل المطلب المحدود إلى حركة عارمة من أجل تغيير شكل وطبيعة النظام السياسي، وربما الاجتماعي؟ فإن كانت ثورتنا قد بدأت خناقة شباب فيس بوك مع الداخلية، فهناك ألف شاهد وشاهد أنها تجاوزت ما بدأت به.
كذلك، وفي اتصال مع ما سبق، رأى البعض أن هذه ثورة ثأر للشهيد خالد سعيد. ألم تكن صفحة «كلنا خالد سعيد» على الفيس بوك هي المسؤولة عن هذه الثورة والجامعة لصناعها. لكن أوليس هذا قلب للأمور ووضع لها على رأسها. فكم من الأشخاص قتلوا في سلخانات الداخلية؟ كم من الأشخاص عذبوا؟ كم اعتقلوا؟ فلماذا كان خالد سعيد هو، وحده، الرمز الأشهر والأكبر؟ أوليس هذا بدليل على أن المسألة الأهم من شخص خالد سعيد هي أن الغضب كان قد زاد وفاض في هذا التوقيت بالذات، ثم وجد لنفسه تجسيدا في خالد سعيد، وربما كان قد وجد لنفسه تجسيدا في اسم آخر في مكان آخر. إذن، أوليس صحيحا أن «خالد سعيد» كان ضرورة تاريخية؟ فلو لم يكن خالد سعيد، لكان قد تم اختراعه اختراعا، إذ هو رمز وتلخيص لآلاف المعذبين الذين لقوا حتفهم تماما مثله على مدار سنوات ما قبل الثورة.
محتمل كذلك، يقول البعض، أن الصفة الأهم لثورتنا هي أنها ثورة سلمية كما يتفاخر الليبراليون المهذبون صباح مساء. فهي كانت ولا تزال ثورة العزل ضد سلطة المدججين بالسلاح. لكن إلى أي مدى تعتبر سلمية الثورة حقيقة. بالقطع ليس هناك تساوي في القوة بين السلطة وبين الجماهير. بالطبع كذلك لا يمكننا أن ننكر الفارق بين هجوم أجهزة الدولة القمعية ودفاع الشعب. لكن أليس حقيقيا أنه لولا أن الدفاع تضمن قدرا من العنف لا بأس به لما كانت الثورة قد حققت ما حققت، وهو ليس بكثير؟ أليس حقيقيا أن يوم 28 يناير 2011، وهو الجسر الذي عبرت فيه الثورة على كسر ظهر الشرطة، كان يوم المولوتوف بامتياز؟ أليس حقيقيا أن العنف المنظم ضد هجمة الأربعاء 2 فبراير 2011 كان هو المنقذ لاعتصام الثمانية عشر يوما بالتحرير؟ وأوليس معلوما للكافة أن كل دورة عنف في الميادين وفي محيط الداخلية كانت تأتي بثمرة، بينما كان الساسة المهذبون المتعجلون لإجراء الانتخابات يطالبون بالتهدئة وينعون السلمية؟
هذا وقد أكد البعض أن الثورة المصرية هي بالأساس ثورة إسلامية، نظرًا لكونها الفاتحة لعهد جديد من التمكين الإسلامي. فهي ثورة من أجل الشريعة فرسانها هم محمد مرسي وحازم صلاح أبوإسماعيل وغيرهما من رجال الدعوة الذين دفعوا ثمنا غاليا من السجن والتعذيب حتى يأتي هذا الفجر الجديد للإسلام. لكن شيئا ما غير متسق هنا. فماذا عن الملايين التي كانت حركتها مسؤولة عن إسقاط مبارك؟ لماذا لم ينبس أحدهم بننت شفة عن إسلامية الثورة خلال الأيام الثمانية عشر المجيدة؟ لماذا طالبوا فقط بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية؟ ولماذا تتراجع شعبية الإسلاميين من انتخابات إلى انتخابات؟ ولماذا يخشى مرسي ورجاله الشوارع التي يدعون قيادتها فيسارعون إلى سن القوانين لمنع المظاهرات؟ ولماذا يأتي التمكين الإسلامي متضافرا مع تمكين للقوات المسلحة وتحصين للداخلية من القصاص وتدليع لرجال الأعمال واتفاقات من أجل القروض من البنوك الربوية الإمبريالية؟ حقا إن الثورة الإسلامية تستصحب معها أغرب الرفقاء من رجال الدولة القديمة!
أم أن ثورة المصريين هي ثورة من أجل الكرامة كما أكد بعض ممن نفوا عنها سبة أن تكون ثورة فقراء أو جياع، كما يسمونها؟ وبهذا المعنى فهي ثورة أناس رفضوا الاستعباد وطلبوا الحرية حتى لو كان ثمنها الدم، لكنهم أبدا لم يطلبوا «مصلحة شخصية» كإعادة توزيع الثروة أو تحقيق العدل الاجتماعي. ولكن ما قيمة هذا الوصف؟ فهل تتناقض الكرامة الإنسانية مع العدل الاجتماعي؟ فهل لو طلب الثائرون العدل الاجتماعي مع طلبهم الحرية السياسية، هل لو طلبوا أي شكل من أشكال المساواة، يعتبرون عبيدا، بينما طلب الصناديق النزيهة هو وحده معيار الكرامة والإيثار؟
ربما كانت ثورتنا إذن ثورة ضد الجوع والفقر. ألم يكن للعمال دور كبيرمنذ أول أيامها حتى اليوم؟ ألم تكن عدوى إضراباتهم يومي 9 و10 فبراير 2011 هي الضربة الأخيرة لنظام يتهاوى؟ ألم يكن تصاعد نضالهم يوما وراء يوم وشهرًا وراء شهر هو المسؤول عن تعميق وتجذير طبيعة التغيير المطلوب إنجازه؟ لكن إذا كان الأمر كذلك، فلم لم تبرز المطالب الاجتماعية بوصفها من مطالب للثورة، بوصفها انحراف فئوي يعوق المسيرة نحو الديمقراطية؟ لم لم تكن الشعارات الاجتماعية هي الأكثر تأثيرا وظهورا؟ لم لم يكن العمال هم قادة الحركة الثورية؟ ولم اختفى مطلب «العيش» في ثلاثية «عيش، حرية، كرامة إنسانية» تحت ركام من معارك الهوية؟
****
وبعد، فما هي حقيقة ثورتنا التي تعددت مراياها وتداخلت وجوهها؟ وأي من هذه الوجوه العشرة – التي تبادلت مواقعها، صعودا وهبوطا، شهرة وانحسارا– يمثل «جوهر» النضال الشعبي الباهر الممتد الذي سميناه ثورة الخامس والعشرين من يناير.
أم هل يكون الأمر أن ثورتنا ليست ثورة واحدة، بل ثورات متعددة متداخلة متناقضة؟ كل فئة أو طبقة أو جماعة سياسية تراها بعين خاصة، وتؤولها وفق هواها، وتحاول توجيهها لمصلحتها. هل الحقيقة أن المعاني المتزاحمة هي مستوى من مستويات صراع ضار يدور أمام أعيننا ومن وراء ظهورنا؟
هل ثورتنا، في الحقيقة، تناقضا لم يحل بعد؟ هل كانت، وما زالت، صراعا بين قوى تتنازع على المستقبل لتشكيله وفق مصالحها ومنظورها. بهذا المعنى، أوليس ممكنا أن تكون ثورتنا ما زالت في طور التشكل والتبلور؟ وإن كان الأمر كذلك، ألا يكون واجبنا الأول المشاركة في تشكيل ثورتنا وصناعتها، والنضال ضد سرقتها، قبل محاولة إصدار أحكام على عملية لم تنضج ثمراتها بعد؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.