هل هى شماعات تعلق عليها الجماهير سلبيتها، أم أن الأمراض التى أصابت بعض نخبنا السياسية ورموزنا النضالية مبررات كافية لحالة العزوف السياسى عند الشباب، هل الأزمة فى سلبيتهم أم غياب القدوة أم عجز المعارضة أم فساد رموزها أم طبيعة المرحلة، أم أنها كل هذه العوامل مجتمعة، يضاف إليها ما أصاب النخب من شيخوخة سنية وسياسية، ومحاولات تأقلم أفضت إلى عمليات تغيير جلد جزئية وكلية، وإحباطات أدت إلى انزواء وعزلة؟ يرى فاروق العشرى، عضو المكتب السياسى للحزب الناصرى، المتنازع على منصب الأمين العام، أن الانعكاسات السلبية لما يحدث داخل أحزاب المعارضة من انقسامات تؤثر سلباً على مصداقيتها أمام المواطنين، ويرى أن غالبية الأحزاب، وتحديداً الناصرى، بات عاجزاً تماماً عن أداء دوره بين الجماهير بعد أن سيطرت عليه «التكتلات» و«الشخصنة» وتحول إلى «دكان سياسى»، لم يفز أى من مرشحيه فى الانتخابات البرلمانية، وهجرته قياداته. ويشير العشرى إلى أنه رغم الدور التاريخى والقيمة الكبيرة لرئيس الحزب ضياء الدين داوود، فإنه أصبح عاجزاً عملياً عن ممارسة أعباء دوره كرئيس للحزب، نظراً لمرضه وتقدمه فى العمر وظروفه الصحية، مضيفاً أن كثيرين يرجونه حضور اجتماعات الأمانة العامة، لكنه اعتكف تماماً، ويشدد العشرى على أنه يحترم الدور التاريخى لداوود، لكنه يعيب عليه أنه «سلم رقبته ورقبة الحزب لشخص واحد»، وهو ما أدى إلى «غياب الديمقراطية» وتكريس «الشللية»، ودفع بمحتكرى الحزب إلى «الانفراد بإدارة أمواله التى هى أموال عامة»، ويقول العشرى إن هذا الفساد دمر الحزب من الداخل، وجعل منه حالة ميؤوساً منها، فتشوهت صورته أمام الجماهير، واعتبر «داوود» المسؤول عن هذا التردى متسائلاً «لا أدرى لماذا لا يعلن استقالته حتى الآن؟». فى المقابل، يدافع صلاح عيسى، رئيس تحرير جريدة «القاهرة»، أحد مؤسسى ومنظرى حزب «التجمع»، عن القيادى الناصرى، وقال إنه يريد البقاء حتى الآن «لإحداث توازن بين الفرقاء، كما أنه يحاول الحفاظ على الحد الأدنى لوحدة الحزب»، ويؤكد عيسى فى هذا السياق أن الخلافات أو الصراعات الحزبية لا يجب أن تكون مبرراً لعزوف الشباب عن العمل السياسى، محملاً إياهم مسؤولية سلبيتهم وعزوفهم وعدم مشاركتهم السياسية فى الحياة العامة، ويقول «الشباب هو الذى لا يفكر فى العمل العام، نحن فى شبابنا كنا نبحث عن العمل السياسى بأنفسنا حتى وصلنا إلى التنظيمات السرية واشتركنا فيها لأن مجرد الانضمام للأحزاب فى عصرنا كان يؤدى إلى الحبس». وبسؤاله عن تغير صورة بعض السياسيين الذين عُرفوا بنضالهم عند العامة، يشير عيسى إلى أن كثيراً منهم وصل إلى سن لا تسمح لهم بالنشاط الحركى، لكنهم مازالوا قادرين على ممارسة نشاطهم بشكل آخر، وضرب مثلاً بأنه فى الماضى كان قادراً على الخروج فى مظاهرات، لكنه الآن يحتفظ بجزء من نشاطه السياسى من خلال ما يكتبه فى الشأن العام، ودعا عيسى الشباب إلى التوقف عن خلق المبررات وانتقاد الأجيال الماضية، قائلاً «هو إحنا هنقعد طول عمرنا نناضل لكم، وإنتو قاعدين فى بيوتكم»، واستدرك «نحن لم ولن نتوقف عن النضال وما زلنا نعلمكم، نحن تعرضنا للسجن والاعتقال، ولا يجوز أن يتفرغ كل جيل لانتقاد أسلافه، إذا كنتم تريدون النضال، فلتناضلوا أنتم ولا تبحثوا عن ذرائع». وعلى النقيض، يرى نعمان جمعة، المتنازع على رئاسة حزب «الوفد»، أن 80٪ من الشباب «مكافح» وقادر على التمييز بين الغث والثمين، لكن مشكلته أنه «لا يجد القدوة» ولا المبادئ، وأكد أن القيادات الموجودة سواء فى الحكومة أو فى أحزاب المعارضة لا تمثل سوى «قدوة سيئة لأنها تتربح من المال العام، وتتنازل عن المبادئ والوطنية مقابل منصب أو من أجل التقرب لجهات أجنبية أو من الحاكم نفسه، لذا فالقدوة غير مشرفة»، ويقول جمعة إن الشعب يتوق إلى قدوة تضعه على طريق واضح، لكنه لا يرى حوله إلا رموزاً فاسدة.