كفانا الله الحوجة إلى محقق صحفى يذهب إلى الكيلو 4.5 فى طريق السويس الصحراوى، الذى تدَّعى رسائل إنترنت مشبوهة، تحدثنا عنها الأسبوع الماضى، أنه يمتلئ بجهود تنصير محمومة. صديقنا أحمد سعودى، الطالب بكلية التربية جامعة الأزهر، ذهب إلى هناك بصحبة عدد من أصدقائه للوقوف على حقيقة الأمر، وأرسل يقول لنا إن ما جاء بتلك الرسائل «افتراء محض ولا أساس له من الصحة، يروّج له بعض الملتحين الذين يطلقون على أنفسهم أنهم من السلفية، يدّعون أن الحملات التبشيرية انتشرت، ولا بد للمسلمين من العودة إلى الله، والاحتماء بالمسجد فى تلك المنطقة الموحشة المليئة فقراً وجهلاً وعشوائية وبلطجية وتجار مخدرات.. خليط عجيب غريب تكوّن واستقر فى ظل غياب القانون، كنا نذهب إلى هناك ونحرص على ألا نتأخر لكى لا نقع فى قبضة البلطجية المسيطرين على المنطقة، تسألنى ما الذى قد يذهب بكم إلى مثل هذا المكان أقل لك إننى وأصحابى ناس غريبة، لا نسمع عن شىء فيه مغامرة ومخاطرة إلا ذهبنا إليه لنقف على حقيقته، وقد تعرضنا لمشاكل كثيرة بسبب هذه التصرفات، أتمنى أن تتكلم يا سيدى عن موضوع المخدرات، ومخدر الحشيش خصوصًا، فو الله لا أحد يدرك المدى الذى وصل إليه هذا الملعون بشباب هذا البلد المنكوب، والشباب يا سيدى يحب طريقتك فى الكتابة، فعسى الله أن يجعلك- لو كتبت عن المخدرات - سبباً لهداية شاب واحد، وكما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدى الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم)». ياصديقى أحمد، لا أدرى كيف أشكرك على مجهودك أنت ورفاقك الممتلئين حماسة وحبًا لهذا البلد، ولا أملك إلا أن أشجعكم على هذه المغامرات التى كنت أعشقها أنا وزملائى ونحن فى الجامعة، ومن خلالها عرفنا مصر جيدًا فأحببناها أكثر وكرهنا حكامها والمنتفعين بها، وأتمنى أن تكتب إلينا بين الحين والآخر بعضًا مما تشاهدونه فى جولاتكم عن مصر التى لا يعرفها حكامها ولا المتاجرون بها، أما عن تشجيعك لى أن أكتب عن وباء المخدرات المنتشر فى البلاد، فلا أظنك يا سيدى تتمنى لى مصير عمرو خالد، الذى أبعده نظام التوريث عن وطنه، رغم أنه أعلن براءته من الكلام فى السياسة، وقرر أن يركز فى محاربة المخدرات والفقر والسلبية، فلم ينله من أصدقائنا المثقفين إلا التشكيك فى نواياه وتكسير مقاديفه، فهم- كما قال مولانا طه حسين- لا يعملون، ويزعجهم أن يعمل الناس، ولم ينله من حكومة الحزب الوطنى إلا أن تمنع برامجه الهادفة مثل برنامج «على خطى الحبيب» طالما أنه لا يسير على خطى حبيب العادلى، وهاهم يبعدونه عن وطنه قسرا دون أن يخرج علينا أنصار الحرية العوراء بكلمة استنكار من التى يطلقونها فى الفاضية والأفضى، وقبل أن يطلق هؤلاء سهامهم صوبى ليتهمونى بتشجيع التطرف، أقول لهم إننى كنت مثل كثيرين منهم، أهاجم الرجل دون أن أستمع إلى ما يقوله ودون أن أتابع ما يفعله هو وآلاف الشباب الذين تأثروا به، إلى أن قررت أن أكون قدّ دعوتى إلى الحرية والليبرالية ومعرفة الشىء قبل مهاجمته، فوجدت فى شباب مبادرة «صناع الحياة»، التى أطلقها عمرو خالد، نماذج تفرح القلب العليل، ورغم اختلافى مع عمرو خالد فى طريقته الوعظية، لأننى اخترت الطريق إلى الله عبر الكتب والشك والتمرد، فإن ذلك لا يعنى أن أحجر على الآخرين حريتهم فى الوصول إلى الله كما يريدون، ولا يعنى أن أحصر الرجل فى كونه يعظ الناس فقط، فأنكر سعيه الدائم لتطوير نفسه وأداءه. قسماً عظماً لو كان من يحكموننا أذكياء لاستثمروا هؤلاء الشباب الملتفين حول عمرو خالد فى محاربة أخطر داء يأكل أرواح شبابنا، داء السلبية والعدمية واللامبالاة، هؤلاء الشباب الذين فتح لهم عمرو، بمنهجه الوسطى المحترم، أبواب الأمل والتغيير والنهضة، لم يطلبوا من الحكومة شيئًا سوى أن تتركهم فى حالهم لكى ينتجوا ويتعلموا ويصلحوا من سلوكهم ويزرعوا الأسطح وينظفوا الشوارع ويحاربوا الفقر وينشروا روح المبادرة فى أرجاء الوطن، و كان يمكن أن تحارب بهم حكومة الحزب الوطنى الفتنة الطائفية والانحلال الأخلاقى وانتشار المخدرات، لكن مشكلة هؤلاء الشباب لدى حكومتنا المباركة أنهم يفكرون ويتأملون ويبادرون ولا يقودهم أحد، حتى عمرو خالد نفسه، والمستقبل لا يحتاج إلى شباب كهؤلاء، بل يحتاج إلى «الشباب الصح»، الشباب الذى يرصّونه فى الكراسى ليقف مهللاً ومنافقًا ومدجنًا وخانعًا وعجوزاً، أو الشباب الذى طلّعوا عينه وجعلوه ينسى تمامًا حلم «ابنى وطنك» ليصبح حلمه الوحيد ممثلاً فى شعار «ابنى بيتك»، ده لو عرف يبنيه أساسًا. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]