إذا أردت أن تشاهد إنجازاً مذهلاً تحقق فى مصر خلال الثلاثين عاماً الماضية، فما عليك إلا أن تغادر القاهر الكبرى بكل ما فيها من فساد حكومى، إلى صحراء وادى النطرون أو طريق مصر الإسماعيلية الصحراوى، أو منطقة شرق البحيرات فى سيناء، أو المناطق المستصلحة الجديدة فى غرب السويس وبنى سويف ووادى أسيوط وطريق العلمين ودمياط الجديدة والطريق الدولى الساحلى ووادى النقرة، ووادى الصعايدة فى محافظة قنا، إضافة إلى عشرات المناطق الأخرى فى صحارى مصر الممتدة حول العديد من محافظاتها. فى أى من هذه المناطق، ستكتشف أن أبواب الأمل فى مستقبل أفضل للمصريين، مازالت مفتوحة، وأن إرادة التحدى والإنجاز فى أصلاب هذا الشعب مازالت تقاوم وبشراسة لا تعرف الكلل، كل مظاهر التحلل والانهيار وانعدام الكفاءة والفساد الأخلاقى والمهنى الذى تمكن من الجهاز الحكومى كله خلال الثلاثين عاماً الأخيرة. وإذا قدر لك أن تأخذ نفسك فى زيارة إلى أى من هذه المناطق، فإنى أنصحك بأن تتجاوز الإقطاعيات الجديدة التى استولى عليها بعض رجال الأعمال وبعض المسؤولين الفاسدين، وأن تتوقف طويلاً أمام المزارع الصغيرة التى عانى أصحابها من المواطنين العاديين فى استصلاحها وزراعتها ورعايتها حتى تحولت الصحارى المقفرة تحت أيديهم إلى حدائق مثمرة وحقول منتجة. بعض هؤلاء المواطنين لم يأخذوا الأرض مباشرة من الحكومة، ولكنهم اشتروها من موظفين كبار فى أجهزة الدولة المختلفة ومن أعضاء مجلسى الشعب والشورى الذين جنوا أرباحاً طفيلية ضخمة من تسقيع الأراضى وبيعها دون استصلاح للمواطنين الذين عجزوا عن الوصول للمسؤولين عن تخصيص هذه الأراضى، وبعض هؤلاء المواطنين أخذوا الأرض مباشرة من الحكومة ضمن مشروع الخريجين والأرامل والمتضررين من انتزاع أراضيهم القديمة للمنفعة العامة، وقد بذل هؤلاء جميعاً جهوداً مضنية فى استصلاح وزراعة هذه الأراضى، وأنفقوا فيها أعماراً ومدخرات، وباعوا من أجلها الكثير مما كانوا يملكونه فى الدلتا والوادى، واحتملوا عذاب العيش فى الصحارى دون خدمات، كما صبروا على فساد الموظفين فى كل أجهزة الدولة الذين وضعوا فى طريقهم عشرات العراقيل لتكون الرشاوى والإتاوات هى الحل الوحيد لإزالتها. الكثير من هؤلاء المواطنين عانوا طويلاً من تحالف الموظفين مع أصحاب الإقطاعيات الكبيرة فى الصحارى، لمنع المياه والأسمدة والكهرباء، وتكسير الطرق الممتدة إلى أراضيهم لإرغامهم على بيعها بسعر بخس لرجال الأعمال، كما عانوا طويلاً من سطوة بعض البدو والأعراب على الصحارى وفرض الإتاوات الدورية على أصحاب المزارع الصغيرة.. ولكنهم رغم كل ذلك تمكنوا من إضافة حوالى 1.5 مليون فدان إلى المساحة الزراعية فى مصر، بجهودهم أولاً وأخيراً، رغم تحالف الفساد الحكومى وسطوة تجار الأراضى ضدهم. هؤلاء جميعاً رغم هذا الإنجاز المذهل يتعرضون الآن لهجوم كاسح من لجان تثمين الأراضى فى وزارة الزراعة وبعض الوزارات الأخرى، التى قامت خلال الشهور الأخيرة بالانقضاض عليهم وأرسلت لهم إنذارات تهديد بالطرد من أراضيهم إذا لم يقوموا بتسديد ثمن الأرض مرة أخرى للحكومة، وقد تراوحت قيمة الأرض فى هذه الهجمة بين 22 و45 ألف جنيه للفدان الواحد، فى الوقت الذى باعت فيه هذه الأجهزة الفدان للمستثمرين العرب بأسعار تتراوح بين 50 و200 جنيه فقط، فأى خراب إضافى ينتظر هذا البلد إذا نفذت هذه الأجهزة وعيدها المدمر؟! [email protected]