بعد أن امتدت أعمالى من فرنسا إلى أمريكا.. اضطررت أن أقضى نصف الوقت فى باريس لمتابعة مشروعاتى، واستكمال دراساتى ب«السربون» بالإضافة إلى أنشطة الجالية المصرية.. وباقى الوقت أستصلح «الأحراش» وأزرع المستنقعات بولاية فلوريدا.. وخلال عشر سنوات رايح - جاى.. أتيحت لى المقارنة بين «السيستم» المعمول به فى أوروبا، ونظيره فى الولاياتالمتحدة.. وكل يوم كنت أكتشف وأندهش لأفهم بعض أسرار تفوق «خلطة فوزية الأمريكانية».. التى تجذب وتغرى كل البشر حول العالم للحياة فى بلاد العم «سام» (حتى الأوروبيين)!! هذه الخلطة السحرية العجيبة التى تجعلك محتاراً، ومتسائلاً: لماذا يكره الناس أمريكا.. وفى نفس الوقت تجد الأغلبية العظمى منهم تتهافت على الحياة فيها.. أو على الأقل يسافرون «خلسة» لولادة أطفالهم هناك، طامعين فى «الجنسية».. وليستمتعوا بجبروت «الباسبور» الأمريكى؟ والإجابة عن النصف الأول من السؤال هى : ما يجعل الناس (حتى الأوربيين) كارهين لأمريكا هو: سياسات الإدارة الأمريكية التى لا تفهم ولا تتفهم.. فهى غالباً إدارة «متعجرفة».. إدارة «بلطجة».. إدارة «غاشمة».. إدارة «غبية».. والدليل ما حدث من إدارة «بوش» الأحمق.. الذى تسبب فى «خراب» الاقتصاد الأمريكى ذاته.. وشوَّه كل ما تبقى من صورة أمريكا بالخارج.. والآن أمام الرئيس «أوباما» فرصة تاريخية، لبناء علاقات «سوية»، ومتوازنة وعاقلة، خصوصاً مع دول هذه المنطقة التى ذاقت شعوبها «المُر»، وتجرعنا «الحنضل» بسبب الانحياز الأعمى لإسرائيل طوال 60 عاماً، والذى أدى فى النهاية إلى ما نحن فيه من استبداد وديكتاتورية، وتخلف.. ولن يتغير العالم إلا بحل هذه القضية حلاً جذرياً ونهائياً وعادلاً!! أما الإجابة عن النصف الثانى من السؤال: ما سر «الخلطة السحرية» الجاذبة لكل البشر للحياة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية.. فإليك بعض الأمثلة التى ربما تُفسِّر أو تكشف هذا السر: * بداية: سوف تشعر بعد أيام من الإقامة فى أمريكا أنك «واحد من أهل»، هذا البلد.. فكلهم أجانب مثلك.. عكس الحال فى أوروبا التى تظل فيها لخمسين سنة وإحساسك الدائم أنك غريب!! وثانياً: سوف يدهشك أنه فى كل مرة.. وفى كل مكان.. وفى أى وقت تطلب فيه شيئاً، ومهما كان مستحيلاً فى بلد آخر.. ستسمع دائماً أنه لا مشكلة «No Problem»!! وها هى بعض الأمثلة على سهولة الحياة هناك : * عايز «تبنى بيت» بحمام سباحة.. وبمائة وخمسين ألف دولار فقط.. وتتسلم المفتاح لتسكن فيه بعد 90 يوماً (وليس 91).. فى اليوم التسعين ستفاجأ بأن «البيت»، الذى اخترته مطابق تماماً للنموذج، ومفيش غلطة ولا حتى ملاحظة.. وكمان ستندهش من أن «المطبخ» مجهز بالثلاجة والبوتاجاز، والميكروويف.. وحتى كراسى البار المفتوح، والنجف «هدية من الشركة»!! عايز «بطيخة» على شكل مكعب.. ولونها من الداخل نصف أحمر، والنصف الثانى لونه أصفر.. No Problem!! * عايز تمشى حافى، وقالع ال«تى شيرت»، أو لابس «شبشب» على «مايوه».. وماسك «عود قصب»، تمص وترمى على جانب الشارع، وبتتكلم بالعربى بأعلى صوت.. فلن يلتفت إليك أحد!! * عايز ابنك يدخل «هارفارد» أولى جامعات العالم.. ولديه القدرات والمؤهلات فسوف يدخل بصرف النظر عن ديانتك.. وإوعى تصدق الكذبة التى أطلقناها، وصدقناها بأنهم يكرهون المسلمين، ويحاربون الإسلام.. فللأمانة أن بعضنا بسلوكياته المتخلفة والحقيرة أحياناً هو المتسبب فى أى سوء فهم!! وللحق هم أكثر انفتاحاً، وتقبلاً للآخر منا جميعاً!! * عايز تشترى كنيسة وتُشارك القسيس فى الأرباح.. أو تبنى «جامع» وتؤجره لشركة.. أو عايز تشترى «مقابر» بمن فيها.. وكل 20 سنة تشيل التراب والجماجم، وتُعيد تأجيرها أو بيعها لمستثمر آخر.. كله ممكن!! * عايز 200 فدان على «المريخ».. اختر الموقع على الخريطة، وادفع 5 آلاف دولار للفدان.. واشترك فى مسابقة لتكسب رحلة مكوكية عام 2020 لزيارة أرضك الجديدة!! * عايز تبيع سيارتك.. علّق يافطة على البرابريز الخلفى.. وفى محطة البنزين أو فى إشارة المرور ستجد من «يفاصلك».. وإذا اتفقتم، اركن على جنب، ووقّع، واقبض الثمن، واطلب ليموزين 17 متراً، «رولس رويس»، بمائة دولار فى الساعة لتعود إلى منزلك!! * عايز تعرف ماذا سيحدث من توسعات فى مدينتك.. اذهب إلى مقر مجلس المدينة ال «City» ستجد «ماكيت» يوضح لك كل الطرق والكبارى والإنشاءات التى ستحدث فى ربع القرن القادم.. (مش زى عندنا.. معالى الوزير أو رئيس الهيئة «قافل» درج مكتب «أبوه» على الخرائط الموقع عليها «الطريق الدائرى الإقليمى» وحتى الآن لم يرسلها إلى محافظ المنوفية الذى يمر نصف هذا الطريق على أرض محافظته.. وفى نفس الوقت تجد هذه الخرائط مع ابن عم خالة حرم ابن أخت شقيقه، ومع «الخمسة» الكبار إياهم، وحتى الموقع المقترح لنقل «الكارتة» أول الطريق الصحراوى!!.. ولتحى الشفافية)؟!! ولضيق المساحة لن أذكر عشرات ومئات الأمثلة.. ولكن تستطيع أن تُلخِّص «السبب الرئيسى» فيما وصلوا إليه من تطور، وتقدم.. وفيما وصلنا إليه من فقر وتخلف فى: «أن الحاكم» بالدول المتخلفة يتم اختياره من الحاصلين على الثانوية العامة بخمسين فى المية.. وهذه الدرجات تؤهله للرئاسة مدى الحياة.. أما الحاصل على «نوبل» فى الكيمياء فهو ممنوع من الترشح عضواً بالمجلس المحلى بكفر الشيخ!!.. وفى البلدان الأكثر تخلفاً: من يصح «مبكراً» وقبل الآخرين.. «يحتل» الكرسى الهزاز، ويأمر بإعدام من كان يجلس على نفس الكرسى بالأمس!! أما فى الدول المتقدمة والمتحضرة ف«الرئيس» يتم اختياره بعد مروره على مليون «فلتر» وبحد أقصى مدتان.. وبعد مناظرات مع منافسيه.. «ولا فرق بين عربى أو أعجمى إلا ب(الكفاءة)..» والدليل أمامنا: الشاب «باراك بن الحاج حسين أوباما.. «مرحباً بك ضيفاً عزيزاً على أرض الفراعنة»!! [email protected]