يقولون من لا يتعلم من تجارب الماضى، فهو إما أحمق أو متواطئًا ضد مصالحه، وأحيانًا ضد ضميره، هذا المعنى ينطبق حرفيًا على أصحاب المبادرة العربية، الذين يلوكونها بألسنتهم صباح مساء، وكأنها «قات اليمن» الذى أدمنوه رغم أن الطرف المطلوب منه الرد عليها رفضها قولاً وسلوكًا عدة مرات، وهو أيضًا قول ينطبق على الوسيط المصرى فى لعبة التهدئة التى لا تهدأ أو لا تستقر بين الفلسطينيين والعدو الصهيونى، وأخيرًا هى تنطبق حرفيًا على أبومازن وجماعته فى السلطة الفلسطينية الذين التقوا منذ قتل عرفات بالسم وحتى اليوم 27 لقاء مع الإسرائيليين دون أن يحصلوا على «عود ثقاب» واحد، ومع ذلك يصرون على اللقاء وعلى «العملية»، نقصد عملية السلام التى لا تنتهى ولا يشفى منها أو بها أحد، هؤلاء جميعًا لا يتعلمون من دروس الماضى مع إسرائيل، ويصرون على التذلل لها وتقبيل الأيدى، ومع ذلك هى تتمنع، بل أحيانًا تصفع على الوجه والخدين، وفى مناطق أخرى حساسة، هؤلاء الذين لا يتعلمون أو لا يقدرون على أن يتعلموا، لقد قدم لهم نتنياهو وليبرمان 3 لاءات (عن القدس - واللاجئين - والدولة الفلسطينية المرجوة) ومع ذلك يصرون على الحوار معه بنفس الآليات والأساليب المهزومة نفسيًا، ومن جملة القضايا التى لم يتعلموا منها أن خيار السلام البائس هذا لا يحلها قضية ال 6 ملايين لاجئ فلسطينى، الذين نسيهم الجميع، من ملك السعودية صاحب المبادرة المرفوضة، إلى الوسيط «سبحان الله» المصرى، إلى الأممالمتحدة التى تزعم دفاعًا عن حقوق الإنسان، وتنتفض هلعًا عندما تذكر كلمة الهولوكوست رغم «أنها أكذوبة» فى حين لا يتحرك لها جفن بذكر الهولوكوست الذى تعرض له 6 ملايين فلسطينى فى الشتات، ومثلهم داخل فلسطين، «على أى حال».. دعونا نذكر العالم، ونذكر أنفسنا بالقضية، علّ ما نذكره يفيد، ويساهم قليلاً فى إيقاظ النوّم الخانعين. ■ ■ ■ فى البداية وبعودة إلى التاريخ القريب نشرت وكالة الغوث «الأونروا» إحصائية لعام 1995 وردت فى صحيفة «الحياة» يوم 1/7/96 تحت عنوان «الانتشار الفلسطينى» أوضحت أن مجموع المقيمين فى الدول العربية المجاورة من فلسطينيى الخارج هو 3127375 غالبيتهم فى الأردن، حيث يعيش 2145451، ومنهم فى لبنان 550000 وفى سوريا 374000 ومصر 57791، كما أوضحت أن مجموع المقيمين من فلسطينيى الخارج 370359 نسمة، أكثرهم فى السعودية، حيث يعيش 240128، ومنهم فى الكويت 26000، وفى البحرين وقطر والإمارات العربية 104225، كما يعيش فى العراق وليبيا 73359 نسمة، وفى باقى الدول العربية 85746 نسمة. وهكذا يكون مجموع من يعيش فى جميع الدول العربية 3656833 من فلسطينيى الخارج يمثلون حوالى 47.5٪ من مجموع شعب فلسطين العربى. وهناك 224241 نسمة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية و244722 نسمة فى أقطار أخرى من عالمنا، بما يمثل 6.09٪ أى أن فلسطينيى الخارج يمثلون 53.59٪ من مجموع الشعب الفلسطينى العربى البالغ حسب هذه الإحصائية 7697930 نسمة، وهذا يعنى أن عدد فلسطينيى الداخل الموجودين اليوم على أرض فلسطين هو 3572134 نسمة منهم 1064975 فى فلسطينالمحتلة عام 48، وفى القدسالشرقيةالمحتلة عام 67 ، و950345 فى قطاع غزة و1556814 فى الضفة الغربية، كما أن العدد الكلى لفلسطينيى الخارج هو 4125796 نسمة حسب هذه الإحصائية التى تعود إلى عام 1995. بعد سنوات من هذه الإحصائية أشارت قاعدة بيانات المركز الفلسطينى للإعلام لعام 2004 إلى أن 42.6٪ من الفلسطينيين فى الضفة الغربية وقطاع غزة هم لاجئون. وتقدر هذه البيانات، أعداد الذين طردوا نتيجة لأحداث نكبة 1948 بحوالى 750 ألف مواطن، إضافة إلى حوالى 350 ألف مواطن فى عام 1967، كما تشير التقديرات الحالية لعدد الفلسطينيين المقيمين خارج وطنهم فى الشتات، بما يقارب خمسة ملايين نسمة فى نهاية عام 2004، يتركز وجودهم فى كل من الأردن «حوالى 3 ملايين» وفى سوريا ولبنان «حوالى مليون نسمة»، أما الباقون فيتوزعون على أنحاء مختلفة من بقاع الأرض. وفى مسح ميدانى آخر أجرته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» فى شهر مارس 2005، يشير إلى أن عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التابعة رسميًا للوكالة، بلغ فى الضفة الغربية 19 مخيمًا، وعدد اللاجئين المقيمين فيها وصل إلى 687542 لاجئًا، وبلغ عدد الأسر الفلسطينية اللاجئة حوالى 152069 أسرة، بمعدل 4.57 فرد لكل أسرة، أما فى قطاع غزة فقد بلغ عدد المخيمات 8 وعدد اللاجئين 961645 لاجئًا، وعدد الأسر 211.46 أسرة بمعدل 4.63 فرد لكل أسرة، وتؤكد الإحصائية، على سبيل المثال، أن مخيم جباليا لا تتعدى مساحته 1.5 كم مربع يقطن فيه حوالى 110 آلاف لاجئ، يفتقرون إلى أدنى سبل الخدمات الأساسية، إضافة إلى كون اللاجئ يفتقر إلى ملكية وسائل وعوامل الإنتاج، التى يستطيع من خلالها تحسين مستواه الاقتصادى والاجتماعى. هذا ويبلغ عدد المخيمات الفلسطينية المنتشرة فى الضفة الغربية، وقطاع غزة، وفى الدول العربية المجاورة: الأردن، سوريا، لبنان، مصر حوالى «69» مخيمًا، منها حوالى «61» مخيمًا «منظمًا»، أى تشرف عليه وكالة الغوث الدولية لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» وعدد آخر حوالى 6 أو 7 مخيمات غير خاضعة لإشراف الوكالة الدولية، وهناك عدد من المخيمات قد أغلق أو أفرغ من سكانه. ■ ■ ■ ومما زاد الطين بلة أن زلازل اتفاقيات التسوية العربية «من كامب ديفيد 1978 - حتى أوسلو 1993 - مرورًا بوادى عربة وغيرها» خيار التسوية والحلول المنفردة - تركت بصماتها المرة والمدمرة على قضية «اللاجئين» التى تمثل الأساس الاستراتيجى للنضال الوطنى الفلسطينى، حيث تخلت تلك الاتفاقيات، عمليًا عنها واستبدلت العمل من أجلها الصياغات النظرية المنمقة التى لا تساوى فى قيمتها ثمن الحبر الذى كتبت به، وهو الأمر الذى دفع العدو الصهيونى إلى إسقاط حق العودة الفلسطينيى الشتات فى جميع تعاملاته واتفاقياته مع السلطة الفلسطينية وضمن ذلك مواثقه، «ولم لا وصاحب القضية قد تخلى عنها أصلاً؟»، ولقد سارعت مراكز الأبحاث الإسرائيلية التابعة لأجهزة المخابرات ولصانع القرار هناك إلى تقديم مخططات تسقط هذا الحق، ولنتأمل - على سبيل المثال - تلك الدراسة المهمة والخطيرة التى قدمها مركز جافى للدراسات الاستراتيجية فى جامعة تل أبيب عام 1994، وكانت تحمل عنوان «مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، قضايا الحل الدائم: إسرائيل - الفلسطينيون» بقلم شلومو غازيت، أحد كبار رجال الموساد. عمدت هذه الدراسة إلى «نسف» الأساس الذى أرسته الشرعية الدولية بشأن اللاجئين الفلسطينيين فى القرار الدولى الشهير رقم 194 الذى ينص على حقهم فى التعويض والعودة، التعويض عما خسروه من ممتلكاتهم والعودة إلى بيوتهم فى وطنهم فلسطين، فأعلنت الدراسة أن هذا القرار «بات متقادمًا وغير قابل للتطبيق فى صيغته القائمة»، ثم لجأت إلى «تفريغ» مصطلح اللاجئ من مضمونه بتقديم تعريف خاص له، تستطيع من خلاله تقليص عدد اللاجئين الذين تعاملت معهم وكالة الغوث إلى حوالى النصف، فاللاجئ، وفقًا لهذه الدراسة، هو «شخص كان يقيم فيما اسمته الدراسة زورًا (أرض إسرائيل) خلال فترة لا تقل عن عامين قبل عام 1948، ولجأ إلى إحدى الدول التى فيها جهاز تابع لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين يقدم معونة، فتم تسجيله، ويجب فضلاً عن كونه مسجلاً فى سجلات الوكالة أن يقيم فى المنطقة التى تعمل فيها ويجب أن يكون فى ضائقة»، وترى الدراسة بعد هذا الاعتداء على حق يقره القانون الدولى، أن على الأطراف توفير حل لقضية هؤلاء اللاجئين حيث هم. أما نازحو عام 1967 من شعب فلسطين العربى، فإن رجل الموساد معد هذه الدراسة (غازيت) يقدم تعريفاً غريباً وشاذاً لهم حيث يرى أنهم «أبناء الضفة والقطاع من غير لاجئى 1948 الذين لم يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم بعد حرب عام 1967». ويسقط هذا التعريف كما نرى جميع من نزح من اللاجئين عام 1967 من الضفة والقطاع حين أخرجهم العدو الصهيونى بالقوة من المخيمات التى لجأوا إليها. ويرى غازيت أن النازحين من أبناء الضفة والقطاع يمكن أن تعود أعداد قليلة منهم على دفعات بينها فواصل زمنية، كى تكون السلطة الفلسطينية قادرة على استيعابهم. ونشترط على هؤلاء ألا يثيروا مسألة استعادتهم أملاكهم التى صادرتها سلطات الاحتلال بذريعة تطبيق قانون أملاك الغائبين، لأن ذلك يمس مسألة الاستيطان ومصلحة المستوطنين كما يزعم غازيت. كما يحذر من خطورة عودة عناصر قد تسهم فى إثارة شغب فى الضفة. ويقترح غازيت بوقاحة عنصرية شاذة ضرورة منعهم من السكن قرب خط حرب 1967 (الخط الأخضر) حتى لا يتحول تجمعهم السكانى إلى مصدر خطر أمنى على إسرائيل وكأنه بذلك يسبق فكرة جدار الفصل العنصرى الذى أقيم بعد هذه الدراسة بعشر سنوات! ■ ■ ■ إن هذه الدراسة المخابراتية سرعان ما تأسس عليها لاحقاً جميع الرؤى والمخططات التى قدمها حزبا العمل والليكود، لقضية فلسطينى الشتات للسلطة الفلسطينية أو للقوى الإقليمية والدولية التى دخلت على خط التسوية، وربما يكون هذا الطرح الصهيونى ليس جديداً وهو يتسق مع طبيعة هذا الكيان العدوانى الغاصب ولكن الجديد والمؤلم هو أن تتبنى منظمة التحرير عبر (السلطة الفلسطينية) هذا الطرح أو على الأقل تتعامل معه فى الخفاء وكأنه هو قمة المراد وأقصى المستطاع الأمر الذى دفع أطرافاً أخرى إلى العمل على إنهاء قضية اللاجئين عبر سيناريو التوطين، أعلنوا ذلك بوقاحة لا يحسدون عليها، فقبل سنوات على سبيل المثال تردد خلال مؤتمر المشرفين على شؤون اللاجئين الفلسطينيين، الذى عقد فى مقر جامعة الدول العربية فى القاهرة، تفاصيل لمخطط أمريكى لتوزيع أكثر من خمسة ملايين فلسطينى معظمهم لاجئون على عدد من دول الشرق الأوسط، وأوروبا، والولاياتالمتحدة، وذلك استباقاً لمناقشة وضع اللاجئين فى مفاوضات الحل النهائى بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ويشير التقرير المتعلق بالمخطط الأمريكى الجديد إلى أن حوالى 5 ملايين و357 ألف فلسطينى فى العالم من أصل 6 ملايين و752 ألفاً سيجرى توزيعهم على دول المنطقة وبعض الدول الغربية كحل نهائى للصراع العربى - الإسرائيلى، ويشمل المخطط المزعوم توطين حوالى مليونى فلسطينى، منهم أكثر من 1.5 مليون لاجئ فى الأردن، و400 ألف لاجئ فى سوريا، وحوالى 350 ألف لاجئ فى لبنان، وحوالى مليون فلسطينى فى دول الخليج العربى، ومصر، ودول المغرب، ويقترح التقرير إعادة 75 ألف لاجئ إلى فلسطينالمحتلة عام 1948 ونقل 350 ألف لاجئ من مخيمات قطاع غزة المزدحمة إلى الأردن وبعض الدول العربية والأوروبية، ولعلنا لسنا بحاجة إلى تأكيد أن مثل هذه المخططات بشأن التوطين وإسقاط حق فلسطينى الشتات فى العودة والتعويض، يتفق ومواثيق الأممالمتحدة وقراراتها، صحيح واشنطن لا تحترمها ولن تحترمها ولكن دعونا نذكر المجتمع الدولى الذى يريد إنهاء القضية ومعه للأسف بعض العرب والفلسطينيين، لعل الذكرى تنفع العقلاء حتى لو كانوا غير مؤمنين. إن الأممالمتحدة تبنت عدداً كبيراً من القرارات، حوالى 49 قراراً بصيغ متشابهة من أجل التأكيد على صحة القرار رقم 194 المتعلق بحق العودة للفلسطينيين، ولقد صدرت عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية فى ثلاثة مجلدات مجمل قرارات الأممالمتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية عموماً واللاجئين خصوصاً والصراع العربى - الإسرائيلى، وهذه القرارات هى: فى الأربعينيات: قرارات 194، 212، 302، 393. فى الخمسينيات: قرارات 394، 512، 513، 614، 720، 818، 916، 1018، 1315، 1456. فى الستينيات: 1604، 1725، 1856، 1912، 2002، 2052، 2145، 2252، 2341، 2535. فى السبعينيات: 2656، 2672، 2728، 2791، 2792، 2963، 3089، 3331، 3419، 31/15أ، 20/90أ، 33/112أ، 34/52أ، وهناك القرار رقم 3236 الذى يربط حق العودة بحق تقرير المصير. فى الثمانينيات: 36/146، 37.ك120، 38، 83، 39/99أ، 40/165أ، 42/57أ، 44/47أ. فى التسعينيات: 45/73أ. 46/46، 47/69أ، 48/40أ، 49/35أ، لعام 1994م. إنها قرارات دامغة وكافية لإسكات تلك الأصوات المتآمرة دولياً وعربياً لإسقاط أنبل وأهم مبادئ النضال الوطنى الفلسطينى، وإذا كنا نتألم ونندهش لهذا التجاهل الأمريكى والأوروبى لتلك القرارات فإن دهشتنا وألمنا أشد ممن يفترض فيهم أنهم أصحاب المأساة والذين تجاهلوا مأساتهم وتماهوا مع المحتل فيما يرى ويريد، وكأنهم يطبقون مقولة ابن خلدون الشهيرة (إن المغلوب مولع بتقليد الغالب)، هذا هو حال الأنظمة العربية صاحبة المبادرات الإسلامية البائسة، وهذا هو أيضاً وبالأساس حال قيادة السلطة الفلسطينية، والتى خطفت وهى فى طريقها لتقليد الغالب الإسرائيلى منظمة التحرير وقبلها (حركة فتح)، إن لم نقل إنها وعبر سياسات عشوائية قاتلة وقرارات خاطئة قد دمرتها ودمرت معها الحقوق التاريخية الثابتة للشعب الفلسطينى، باسم الواقعية ولكنها فى الواقع ليست سوى (وقوعية) فى أسر الاحتلال، ومخططاته، وإذا لم تعد هذه السلطة، وكل القوى والفصائل إلى خيار المقاومة بمعناه الشامل أى (السياسى - الاجتماعى - الاقتصادى - العسكرى) وأنهت وإلى الأبد هذا الخيار البائس الذى ورطت نفسها وشعبها فيه، فلن نرى فى الأفق أى حل لقضية (المنسيين) هؤلاء، وسيظل قادة الشرق والغرب ونخبهم المهزومة من داخلها يتاجرون بها بلا أمل أو حل.