ليس مستبعداً أن يُخلِّد التاريخ اسم الطفل الراحل محمد علاء مبارك، إذا ما تم البناء على ما صنعه من جسور انقطعت - أو كادت تنقطع - بين المعارضة والنظام السياسى فى مصر، وأعتقد أن المسؤولية الآن يتحملها الأخير، وعلى قمته الرئيس حسنى مبارك أعانه الله وصبّره هو وأسرته على ما ابتلاه. فى مثل هذه المواقف تتجلى حضارة الشعوب، حتى لو كانت هناك بعض المظاهر التى توحى بأن هذه الحضارة تتآكل أو تنهار. فها هو الشعب المصرى، بفقرائه وأغنيائه، بمؤيديه ومعارضيه، يشاطرون الرئيس وعائلته أحزانهم.. كل أحزاب المعارضة، التيارات السياسية، وعلى رأسها «الإخوان المسلمين»، الدكتور سعدالدين إبراهيم وجماعته فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، صحف المعارضة التى تنتمى أو لا تنتمى إلى أحزاب أو تيارات سياسية ودينية، ومحطات التليفزيون المصرية.. كل هؤلاء حرصوا على تقديم العزاء للرئيس وأسرته، ليقولوا على الملأ، وفى مناسبة لا تحتمل المزايدة، إنه لا يوجد موقف شخصى من الرئيس أو عائلته، ولكنه موقف سياسى واضح من سياسات. نعم.. الحزن والتعاطف أكبر لأن الميت طفل برىء، ولأنه الحفيد الأكبر للرئيس الذى ارتبط به منذ مولده، ورأى فيه الامتداد للعائلة، ولأنه نجل علاء، الشاب المهذب القريب من الناس، المبتعد تماماً عن السياسة بمشكلاتها وتعقيداتها، ولكنها فى النهاية رسالة واضحة: «نحن حزانى لحزنك كرئيس لمصر». هى حالة خاصة، لكن يمكن البناء عليها، فلا أستبعد أبداً أن يتوجه الرئيس بالشكر لكل المصريين ولأقطاب المعارضة.. لا أستبعد أن يفتح الرئيس الباب ليستقبل بعضهم، وليفتح باب الحوار حول نقاط الاشتباك والاختلاف من أجل مصر، ليس صعباً على الحزب والحكومة أن يمدا الجسور فى كل اتجاه، فى الداخل والخارج، فمثل هذه الفرص لا تتكرر كثيراً.. ولأن الفرح الجماعى فى حياتنا قليل، فليكن الحزن الجماعى وهو جزء من التركيبة النفسية للمصريين - فرصة جديدة للمصالحة العامة. بدأ أنس الفقى، وزير الإعلام، خطوته، وأشاد بالإعلام الخاص المصرى، ورآها فرصة لإظهار حسن نوايا الحكومة تجاه المحطات الخاصة، بعد كثير من الاتهامات والشكوك، المهم أنه فعل. وبمناسبة الحديث عن التليفزيون المصرى والقنوات الخاصة، لابد من التوقف أمام حالة الحداد - وإن لم تكن كاملة - التى أعلنوها ونفذوها على مدى ثلاثة أيام، مشاركة للرئيس مبارك وأسرته فى أحزانه، فإذا سلّمنا بأن هذا واجب عليهم وحق للرئيس وعائلته.. ألا يفرض عليهم ما حدث مراجعة أنفسهم عندما لم يفعلوا الشىء نفسه عندما مات أكثر من 1300 مصرى غرقاً فى عبارة السلام، وأكثر منهم فى حريق القطار، فالحزن كان كبيراً وسكن بيوتاً فى كل قرى ومدن ومحافظات مصر.. أليس من حق هذا الشعب أيضاً أن يشاركه إعلامه كل الأحزان؟! الإعلام فعلها من تلقاء نفسه، ودون توجيه أو طلب من الرئاسة، تقديراً وإحساساً بمقدار الحزن، وليته فعلها من تلقاء نفسه أيضاً من قبل تجاه الشعب.. ما حدث بوفاة محمد علاء سيغير أشياء كثيرة فى مصر، منها الإعلام.. قولوا «يارب»! [email protected]