انتظرت طويلاً صدور كتاب يناقش ويحسم قضية الوفاة الإكلينيكية وموت جذع المخ، وكنت مندهشاً من إحجام المتخصصين عن الخوض فى مثل هذا الموضوع الذى يتعلق بحياة الناس وينقذ الملايين ويعجل بصدور قانون نقل الأعضاء الذى مازال أعضاء مجلسى الشعب والشورى فى حيرة شديدة تجاهه بسبب تشوش مفهوم موت جذع المخ فى أذهانهم، لذلك سعدت بصدور كتاب «الوفاة الإكلينيكية وعلاقتها بخروج الروح» لأستاذ النساء والولادة د. صلاح سند. هذا الكتاب الذى أعتبره ودون مبالغة أهم كتاب سيحسم هذه القضية نهائياً من جميع جوانبها العلمية والدينية أيضاً، وأطالب بعقد جلسة مشتركة للمجلسين لسماع ملخص هذا الكتاب من صاحبه الذى بذل فيه جهداً خرافياً استمر لعدة سنوات ولمسته بنفسى من خلال متابعة تفاصيله. كان د. صلاح سند يبحث فى كل نقطة وكأنه تلميذ، يعود إلى كتب الفسيولوجى والكيمياء الحيوية والتشريح، ليستفهم عن نقطة غائبة أو مجهولة، والمفروض أن تلك الكتب قد هجرناها بعد التخصص الطبى، برغم أن هذه العلوم الأساسية هى سر تقدم الطب وسر حل لغز قضية نقل الأعضاء أيضاً. أهم ما فى الكتاب منطقه المتماسك ولغته السهلة وتغطيته لجميع النقاط المثيرة للجدل، وبرغم أن الكتاب قد غطى الجانب الدينى بالتفصيل إلا أن ما يهمنى فى هذا المجال هو الجانب العلمى، لأنه للأسف من يقود حملة تعطيل القانون ليسوا شيوخ الأزهر، ولكنهم قلة من الأطباء الذين استعملوا الصوت العالى والترهيب الدينى لبلبلة الرأى العام، وفى مقدمته أعضاء مجلسى الشعب والشورى، وطرحوا عدة أسئلة لإجهاض قانون نقل الأعضاء، حسم إجاباتها جميعاً د.صلاح سند فى كتابه . السؤال الأول الذى يرد عليه د. صلاح هو: لماذا لا تنخفض درجة حرارة الجسم فى بعض حالات موت جذع المخ برغم أن مركز التحكم فى الحرارة يقع داخل المخ؟!!، سؤال يبدو منطقياً ومفحماً، ولكن الكتاب يرد ببساطة بأن هناك وسائل أخرى معزولة عن المخ من الممكن أن يستعين بها الجسم لزيادة درجة الحرارة أو فقدها مثل الغذاء حتى ولو عن طريق أنابيب ومحاليل، وأيضاً عن طريق زيادة إفراز بعض الهرمونات وبانقباض أو انبساط الأوعية الدموية. أما السؤال الطبى الثانى الذى طرحه معارضو القانون فهو: كيف يستمر إفراز هرمونات الغدة النخامية وهى تستمد غذاءها من الدورة الدموية للمخ؟، كان الرد هو أن هذه الغدة لا تعمل فى كل حالات موت المخ، أما البعض الذى يعمل فلكونه يستمد غذاءه من دورة دموية بديلة تقع خارج الغشاء الخارجى للمخ وهى تتسع لتعوض غياب الدورة الدموية الأساسية. هناك سؤال يعتبره معارضو نقل الأعضاء وموت جذع المخ سؤالاً معجزاً، السؤال: لماذا يتم تخدير موتى المخ عند أخذ أعضاء منهم لنقلها لآخرين؟!!، بحث المؤلف ونقب وخرج بإجابة مفحمة وشافية لغليل الباحثين عن الحقيقة فى هذا الموضوع الشائك، الإجابة هى أن التخدير شئ مختلف تماماً عن إفقاد الوعى، فمن ضمن مهام التخدير الأساسية إرخاء عضلات الجسم وهو إجراء مطلوب فى حالة نقل الأعضاء لتخفيف توتر العضلات وتسهيل التعامل معها جراحياً، ومن المهم أيضاً إرخاء الأوعية الدموية، إذن الجراح لا يبحث عن إفقاد وعى من هو فاقد الوعى أصلاً، ولكنه يبحث عن جراحة أفضل فى وسط جراحى أنسب.