«أصله معداش على مصر.. وحلوة بلادى السمرا.. وأنا على الربابة باغنى.. وأحلف بسماها وبترابها».. إلى آخر هذه القائمة من الأغانى الوطنية.. ها هى تدوى فى طائرة الفنانين والإعلاميين.. الطائرة انطلقت فى الثامنة والنصف صباحا يوم المباراة.. وصلنا إلى السودان.. المشهد كان رائعا.. على سلم الطائرة.. ترى سودانيين يرفعون لك علامات النصر.. دعواتهم لا تتوقف.. دخلنا إلى صالة الوصول.. وعليك أن تدرك كل شىء.. الزحام غير عادى.. لا نظام أو ترتيب نهائيا.. بعد ساعة انتهت الإجراءات ودخلنا إلى مكان به سيارات وأتوبيسات.. سودانيون يطلبون منك «علم بلادك».. ويتوسلون إليك أن تتركه ولا تملك الرفض.. تتجه إلى الأتوبيس.. تجد أعلام الجزائر فى أيدى الجميع.. ماذا حدث؟.. يرد عليك شقيق سودانى: دول نزلوا البلد من يوم الأحد وغرقوها فلوس وأعلام.. وزعوا حوالى 50 ألف علم على سواقين الميكروباص والركش «التوك توك».. تسأل سودانى: «وأين علم مصر؟».. يرد الرجل ب«انكسار وصوت حزين»: «انتظرنا كثيراً، وبعد كده جبنا قماش وفصّلنا أعلام ووزعناها على السودانيين». تحرك الأتوبيس إلى السفارة.. الأمن السودانى متواجد فى كل مكان.. وصل الأتوبيس إلى السفارة.. كان هناك علم كبير.. وحوله أعلام مصر ملقاة فى الشوارع المحيطة بالسفارة.. الأعلام كانت من ورق.. وسألنا وجاء الرد: «سفارتنا قبل الماتش بيوم.. عملت الشغل ده ووزعت 2000 علم».. السفارة وزعت أعلاماً من ورق.. لا ترفرف.. لا تثير وطنية.. ولا تجعلك تقول مصر.. أعلاماً ليست بها حيوية.. على النقيض.. كانت أعلام الجزائر وأسلحتهم حيوية.. العلم يرفرف.. والسلاح يلمع بفعل أشعة الشمس.. أعلامهم تقف بثبات فوق السيارات وعلى «الركش» - توك توك - دخلنا السفارة فى الواحدة ظهرا ولم يتحدث أحد من رجالها.. لا عن الأمن والأمان والتأمين وكيفية الدخول.. كانت المسألة «بزرميط» تماما. فى الثالثة والنصف عصرا.. قال لنا بعض العاملين فى السفارة: نتحرك أربعة علشان تكون الناس دخلت.. المفترض أنهم «عيوننا» التى نرى بها «وآذاننا» التى نسمع بها و«عقولنا» التى تدبر وتتحرك وتتوقع.. وسمعنا الكلام.. وتحركنا إلى الاستاد ويبعد قرابة 35 دقيقة عن السفارة.. السودانيون رائعون.. يقفون فى الإشارات وفى الميادين وعلى الأسطح وأعلى السيارات وهم يلوحون لنا ب«علامة النصر».. يرفعون أيديهم إلى السماء معنا ويقولون «يا رب».. عند الاستاد.. اختلف المشهد: الزحام شديد.. والطريق غير ممهد.. يظهر شاب سودانى.. تظهر معالم الفقر والحاجة على وجهه.. يحمل علم الجزائر.. ويهتف بقوة: «أبوتريكة.. أبوتريكة». عند بوابة الاستاد.. لا موضع لقدم.. والمباراة بدأت و مرت ربع ساعة من المباراة وتوقف جمهورنا عن التشجيع.. وكاد الحضرى يموت من الصراخ قبل المباراة وأثناءها وبين الشوطين وقبل النهاية.. وهو يحفز دون فائدة.. عفواً الجماهير لم تكن هناك.. أولا جمهورنا وصل السودان صباح يوم المباراة دون نوم.. وكان «مهنج» بعد مرور ربع الساعة الأولى.. وغير منظم.. لا أعرف لماذا لم يحضر جهابذة الحزب الوطنى روابط المشجعين من الإسماعيلية وبورسعيد والاتحاد والأهلى والزمالك.. كان الخواجة بجوارى.. وهو واحد من أهم مشجعى الكرة.. كان تائها.. لا يقدر أن يقود أو يهتف أو يتحرك.. كان نصفه الثانى غائبا.. ونصفه الثانى هو جمهور الدرجة الثالثة.. الحزب الوطنى سلم مشجعينا فانلة بيضاء.. وسندويتشات ومياهاً.. شكرا.. وسلم إيه كمان؟!.. سلم «طاولة».. وكانت ضرورية جدا.. حتى يتسلى جمهورنا ب«عشرة طاولة» بين كل هدف والثانى.. يحرزه الحزب طبعا. وانتهت المباراة.. وصفقنا للاعبينا بقوة وشكرنا السودانيين فى الشوارع وسالت دموعنا مع التشجيع والشكر ويرد علينا السودانيون: «والله انتو أسياد أفريقيا.. والله انتو الأحق بالصعود.. والله لا يستحقون.. والله اشتروا كل الأسلحة البيضا اللى فى بلدنا.. متزعلوش انتو أسياد الكرة».. وتحركت الأتوبيسات إلى المطار.. وكنا نظن أن الجزائريين فى الملعب فوجدناهم يهرولون خلفنا ويحطمون زجاج الأتوبيسات بقوة وغضب وعنف، ويلقون بالأسلحة البيضاء داخل الأتوبيس.. المشهد كان مرعبا.. شاب جزائرى وقف أمام أتوبيس وخلع ملابسه كاملة ولوح للجمهور.. بالطبع ليس بيده !.. وفى المطار كانت الأزمة الأكبر التى انتهت بعد 3 ساعات من الاحتجاج والصراخ.. انتهت بتعليمات من الرئيس مبارك.. وهرولنا جميعا إلى المهبط.. وكأننا فى «موقف عبود أو فى ميدان الجيزة».. لا نظام ولا أمن ولا «دياولو».. كانت «سمك لبن تمر هندى». السودان رائع.. حكومة وشعبا.. السودان كان جميلا ومتألقا.. وسعيدا بوجودنا.. السودان قدم لنا كل شىء.. وسخر كل إمكانياته.. سخر كل ما يملك من قوات الأمن.. ليس أمن السودان مسؤولا عن ما حدث.. المسؤولية على من اختار السودان.. المسؤولية على من يفكر ببطء.. المسؤولية على سفير كان نائما..المسؤولية على حزب كان عليه أن يصطحب معه مشجعين درجة تالتة.. لا طاولة.. عدنا نصرخ من المهانة والذل.. حسبنا أن صراخنا والاعتداء علينا بطولة.. بطولة تعوضنا عن بطولة فقدنا الوصول إليها.. لكن «ليس الضرب على القفا بطولة».. كنا فى السودان نحتاج إلى رجال.. رجال تحمى وتشجع.. كان لابد أن يخرج رجال الداخلية فى ملابس مدنية.. فرق الكاراتيه التى ترتدى ملابس مدنية فى مظاهرات وسط البلد و«تفرم» المتظاهرين.. رجال الشرطة الذين يلسعون ب«القفا» فى هدوء وسكينة.. كنا نحتاج معنا قوات فض الشغب.. لنعلم الجزائريين الأدب.. كنا نحتاج رجالا.. كنا بحاجة إلى وحوش فى المدرجات تصرخ وتزأر.. وسيخرج ذلك إلى عقول وأقدام اللاعبين.. والشىء بالشىء يذكر بين شوطى المباراة.. وكنت قريبا منه.. ووقف فنان «مفتول العضلات» وكان يرتدى «كت».. وبصوت جهورى أخذ يصرخ: «يا رجالة.. يا رجالة.. اسمعونى».. وانتبهنا.. وقال: «هقول حاجة مهمة».. وانتبهنا أكثر.. قلنا يخبرنا بطريقة تشجيع جديدة تثير اللاعبين.. قلنا إن لديه خطة جديدة للتعامل مع «جمهور المطواة».. وقال: «يا جماعة.. بلاش نقف واحنا بنشجع.. كلنا نقعد.. علشان الحج أحمد جاله هبوط ومش قادر يقف».. طيب يا عم مفتول العضلات أحمد والحج أحمد طالما مش قادر يقف على رجليه يروح السودان ليييييييييييييه؟!