لم يكن لقاء صحفيا، بل جلسة خاصة معه بحكم صداقة قديمة تعود لأيام عمله فى البيت الأبيض أثناء حكم الرئيس كلينتون، واستمرت بعد ذلك وهو بعيد عن السلطة لمدة ثمانى سنوات إلى أن عينته إدارة أوباما فى منصب كبير بوزارة الخارجية. ومع وجود موضوعات كثيرة «للدردشة»، إلا أننى لم أملك منع نفسى من طرح موضوع فاروق حسنى وأسباب معارضة واشنطن لانتخابه كمدير لليونسكو. وقد لفت نظرى أن واشنطن حاولت تجنب التعليق على الأمر قدر الإمكان خلال الأسابيع الماضية السابقة واللاحقة على معركة اليونسكو. أما سبب ذلك كما قال لى المسؤول الأمريكى فهو أن واشنطن لم تشأ أن تربط العلاقات المصرية الأمريكية بالخلاف حول هذا الموضوع. لكنى نبهته إلى أن الأمر لم يكن كذلك لدى بعض المعلقين فى مصر الذين ربطوا هذا الأمر، ليس فقط بالعلاقات بين الدولتين، بل بقضية الحوار والصراع بين الحضارات، واعتبروا الموقف الأمريكى سقوطا للرئيس أوباما فى أول اختبار حقيقى له بعد خطابه فى القاهرة. هنا بدأ الرجل يبدى استعداده للحديث حول الأمر دون الخروج عن حرصه وتحفظه. فقال إن فاروق حسنى لم يكن الشخص المناسب لمنصب اليونسكو، وأن اختياره كان سيخلق انقسامات حادة داخل المنظمة كنا فى غنى عنها. فمدير المنظمة كما يقول يجب أن يكون قادرا على توحيد الصفوف والوصول إلى تفاهم بين القوى المختلفة لا أن يكون هو نفسه شخصية مثيرة للجدل والانشقاقات. وعندما أشرت إلى أن الحكومة الإسرائيلية ذاتها أنهت معارضتها الرسمية لانتخابه للمنصب، أجاب بأن الأمر لا يتعلق بإسرائيل، بل بقضية عامة، فهذا منصب يهدف لنشر الثقافة والتفاهم بين الأمم والشعوب المختلفة، فكيف نسنده لمن هاجم إحدى تلك الثقافات وهدد بحرق كتبها حتى لو كان اعتذر عن ذلك فيما بعد؟. ثم علق على قضية الحوار بين الحضارات وترشيح فاروق حسنى بأن واشنطن كانت منفتحة تماما بل متحمسة لفكرة أن يتم ترشيح شخص من مصر أو المنطقة يعبر عن تاريخها وثقافتها لمنصب اليونسكو، ولكن هذا لا يعنى أن توافق على أى شخص، فقد اعترضت عليه منذ البداية وأوضحت موقفها فى حينه للسلطات المصرية. فسألته: هل طلبتم من مصر ترشيح شخص بديل، هنا تذكر وضعه الدبلوماسى وأجاب بحرص: نحن لانتدخل فى اختيار مصر للشخص الذى تريده، ولكننا أيضا أحرار فى الموافقة أو الرفض، وقد رفضنا هذا الترشيح. لكن هل اكتفت واشنطن بإعلان معارضتها أم استخدمت نفوذها لدى الدول الأخرى لمنع فوزه بالمنصب؟ هنا يجيب المسؤول الأمريكى بابتسامة: لقد أوضحنا معارضتنا لهذا الترشيح. لكنه عاد وأشار إلى أن العلاقات مع مصر أقوى كثيرا من الخلاف حول هذا الموضوع. والحقيقة أننى شخصيا تمنيت لو أن معارضة واشنطن لفاروق حسنى ظلت هادئة ولم يتحول الأمر إلى مايشبه المعركة الدبلوماسية التى تركت جروحا كثيرة على الجانب المصرى الرسمى على الأقل. فقد فوجئت بلامبالاة شديدة لدى رجل الشارع، لكننى لاحظت أيضا مبالغة كبيرة فى ردود الفعل الإعلامية، مثل الحديث عن «المؤامرة» ضد مصر، وأن الولاياتالمتحدة والغرب بشكل عام كشفوا عن الوجه الحقيقى لهم الرافض للحوار مع الشرق والقبول بالآخر، إلى كل هذا الكلام الكبير، كما لو أن فاروق حسنى صار «الممثل الشرعى والوحيد» للعرب والمسلمين، وبالتالى يكون رفضه انعكاسا لموقف مناهض لثقافتهم وحضارتهم. لقد اختارت مصر حسنى لخوض هذه المعركة وهذا حقها، كما أن من الطبيعى أن (تاخد على خاطرها) ممن عارضوا المرشح المصرى، لكن دون أن ننكر على الدول الأخرى حقها أيضا فى قبول أو رفض هذا المرشح للأسباب التى تخصها. ولو أن مصر كانت حريصة على نجاح مرشحها، لكان يجب البحث عن شخص تتوافر لديه المواصفات المقبولة دوليا فى ظل ظروف نعلمها جميعا. لكن السؤال الذى لم نتوقف عنده كثيرا هو: لماذا فاروق حسنى تحديدا، ولماذا التمسك به حتى بعد أن تبين حجم المعارضة لترشيحه من جانب قوى كبرى، واضطررنا لتقديم تنازلات كنا فى غنى عنها لاسترضاء بعض الدول. لقد أمضى الرجل أكثر من عشرين عاما فى وزارة الثقافة، فهل هو فى حاجة لمكافأة إضافية؟ ولماذا الوقوف عند نفس الأشخاص فى كل الأمور؟ لقد ذكرنى ذلك بمعركة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فمصر رفضت تأييد محمد البرادعى للمنصب واختارت السفير محمد شاكر، ولكن البرادعى فاز بجهوده الفردية ودون تكريس جهود وثروات واتصالات دولة كاملة وراءه. فماذا لو لم يفز البرادعى؟ هل كنا سنعتبر خسارة شاكر «مؤامرة» ضد مصر، أو لعدم المساس بالبرنامج النووى الإسرائيلى؟ إننا كثيرا ما نراهن على الحصان الخاسر.. ثم نعود لنلعن السباق والمتسابقين!!