«جه يكحلها عماها» آخر مساهات ال«بى. بى. سى» لإثراء الحياة السياسة فى محاولتها كشف عنصرية وزيف سياسى تسربل برداء الوطنية، هو نسيقولاس جريفين زعيم الحزب القومى البريطانى. الحزب مجرد عملية تجميل لجماعة الجبهة القومية النازية الميول الفاشية النزعة، لإخفاء ما وراء قناع جريفين من عنصرية، ببرنامج لطرد المهاجرين غير البيض، وإعادة الاعتبار لمجرمى حرب كهتلر وموسيلنى كنموذج يجب أن تكون عليه الزعامات الوطنية التى يعنى وصولها الحكم إعادة الشمس إلى ربوع الإمبراطورية التى غربت عنها. الصحافة العربية نقلت القشور من الصحافة البريطانية دون التحقيق فى جذور ظاهرة قفز جريفين للصفحات الأولى، ونقلت معلومات غير دقيقة عن وصف جريفين للإسلام ب«الشر». كانت النيابة العامة أحالت جريفين للقضاء بتهمة فعل يؤدى لتهديد الأمن العام بمهاجمته للإسلام، وبالتالى استفزاز المسلمين مما يهدد السلام الاجتماعي؛ لكن المحكمة برأت ساحته لعدم كفاية الأدلة بدفاع محاميه بحقه فى حرية التعبير. فالمتهم ألحق كلمة «شريرة» بالإسلام، كأيديولوجية سياسية Islamism وليس كدين faith. الصحافة العربية مثلا لم تسع لكشف تنسيق جريفين مع الكولونيل معمر القذافى واستمرار تلقى تبرعاته المالية خاصة أن جريفين يكن أشد العداء لليهود، وينكر، وبقية أعضاء حزبة، وقوع المحرقة holocaust. تزايد أعداد المهاجرين وإهمال الأحزاب الكبرى حاجات الطبقات العاملة الفقيرة من الإنجليز السكان الأصليين الذين ارتفعت نسبة البطالة بينهم بينما يرون الإعانات والمساكن الشعبية والخدمات تقدم لمهاجرين من الصومال وأفغانستان والعراق والباكستان، وأكثرهم يتلقون إعانة البطالة، أدت بالطبقات العاملة البيضاء لمنح أصواتها لحزب جريفين فى انتخابات الاتحاد الأوروبى، فحصل على مليون صوت. وال«بى. بى. سى»، المدعومة مباشرة من الشعب (يدفع كل بيت رخصة تساوى 1250 جنيهاً مصرياً سنويا)، ملزمة، بمرسوم ملكى، بمنح الأحزاب المنتخبة الفرصة لبث برامجها.ولذلك دعت ال«بى. بى. سى» جريفين للمشاركة، الخميس الماضى، فى برنامج «وقت المساءلة» بجوار ممثلين من المحافظين، والعمال، والأحرار، وكاتبة مسرح سوداء أمريكية تجنست بالجنسية البريطانية. أدت الدعوة إلى تخبط اليسار وال«بى. بى. سى» بإجراءات انتهت لصالح جريفين. مظاهرة ال700 يسارى أمام مبنى التلفزيون لمنع جريفين من الدخول، منحته وسام «شهيد حرية التعبير». وزاد مقدم الحلقة الطين بلة، بالخروج عن الشكل المعتاد؛ فبدلا من مناقشة قضايا الساعة، ركز فقط على تسجيلات سابقة لجريفين بتصريحات معادية لليهود والمسلمين والمثليين الجنسيين. ولأن الإنجليز يتعاطفون مع المغلوب («لو هاجم أربعة ملائكة الشيطان لتعاطف الإنجليز معه»، حسب القول الشائع) فإن استمرار مقاطعة المذيع والأربعة الآخرين له أكسبه تعاطف الجمهور. وسجل موقعه على الإنترنت 300 ألف نقرة فى ست ساعات، وبينت استطلاعات الرأى فى اليوم التالى تأييد 22% من الناس لحزبه القومى. ولو كان مقدم الحلقة التزم بالشكل المعتاد، معاملا جريفين بشكل عادى ليناقش أسئلة الجمهور فى مشاكل الساعة كإضراب سعاة البريد والمشكلة الاقتصادية ونقص معدات الجنود فى أفغانستان، لكان الجمهور قارن معطيات حزبه تجاه الأزمات مع معطيات الأحزاب الأخرى، ولكان شعاره «تخلصوا من المهاجرين» قد كشف أنه يغطى عورة سياسية جوفاء ولا يختلف عن بقية الشعارات التى تطرحها الجماعات الفاشية الشمولية مثل «الوظائف لأبناء الوطن فقط»، أو مثل «الاشتراكية هى الحل» أو حتى شعار البعض «الإسلام هو الحل». فكشف النوايا الخبيثة للجماعات المتخفية وراء الشعارات، لا يكون بإسكاتها وإنما بمناقشتها علنيا عن قدرتها، بالخطوات الديمقراطية، على تطبيق الشعارات لحل مشاكل البلاد، ومصادر الميزانية، وعندئذ تسقط أوراق التوت عما تخفيه ويكتشف الشعب نياتها غير الوطنية.