عقدت فى العاصمة القطرية هذا الأسبوع «الندوة العالمية السادسة لمكافحة الفساد وحماية النزاهة» ليليها «المؤتمر الثالث للدول الأطراف فى اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد»، فى ضيافة النيابة العامة لدولة قطر، وبترتيب الأممالمتحدة باعتبار أنها راعية للاتفاقية. ما يزيد على 140 بلدا وقعت الاتفاقية، وشاركت وفودها فى الندوة والمؤتمر، بجانب منظمات من الوزن الثقيل فى مكافحة الفساد ك«الشفافية الدولية» وشقيقاتها وبنات عمها من منظمات أخرى ك«الشاهد الدولى» الإنجليزية، و«اتحاد البرلمانيين العالمى» وبعض مكاتب الأممالمتحدة المختصة بمكافحة الجريمة والمخدرات، ومنظمات غير حكومية، ممولة من الأممالمتحدة أو من تبرعات أفراد وشركات يعرقل الفساد عملها، عندما ترشو منافساتها حكومات فاسدة لتبيع لها منتجات أقل جودة، بجانب اشتراك تجمعات إقليمية كالاتحاد الأوروبى والجامعة العربية. الملاحظ، تناسب حجم الوفد مع كمية الفساد فى البلد الذى يمثله، فكلما ارتفع المستوى الوظيفى للوفد وازداد حجمه، كمعالى الوزير وحاشيته وحوارييه، تعملق الفساد فى بلد الوفد، مع ضخامة أجسام ممثليه، لتأكيد بديهية أن أجسام القطط السمان أكثر امتلاء من أجسام القطط التى تكتفى بالطبق الموضوع أمامها بما يرضى الله. أكثر العمالقة «التخان» كانوا فى وفود الدول النامية «ولا داعى للإحراج بذكر هذه الدول حسب فتوى الأممالمتحدة التى تتغلب فيها الدبلوماسية على الصراحة»، حيث لا يمكن إنجاز أى مهمة دون دفع الإكرامية أو العمولة أو الهدية.. إلخ.. إلخ، «حسب تقاليد البيرنس المحلية» بدءاً بإلغاء مخالفة المرور بحفنة دولارات فى يد الشاويش وانتهاء بإتمام صفقة أحدث الأسلحة التكنولوجية، بعمولة ملايين، فى حساب بأحد بنوك سويسرا صاحب المعالى المسؤول من بلد ليس له أعداء أصلاً. التفاؤل بالنوايا الطيبة فى هذه المؤتمرات يتفوق على الواقع الذى يعرفه صحفيون مخضرمون، فمثلاً إجابات النائب العام القطرى الدكتور على بن فطيس المرى الذى بذلت نياباته جهوداً تستحق التقدير فى إقامة هذا المؤتمر انحازت لجانب التفاؤل، عندما ضرب مثلاً بأن اتفاقية حقوق الإنسان التى وقعت فى نهاية الأربعينيات لقيت اعتراضات وصعوبات فى التنفيذ، حتى أصبحت فى السنوات الأخيرة جزءاً من الأخلاق السياسية فى التعامل، بل يصدر المجتمع الدولى أوامر بالقبض على زعماء دول انتهكوا حقوق الإنسان ليحاكمهم فى محكمة العدل الدولية. لكن ما هى فرصة النجاح فى التوصل لآلية لمراقبة تعامل الدول الموقعة على الاتفاقية مع الفساد؟ فمنظمات ك«الشفافية الدولية» تقسم الموقعين على الاتفاقية إلى أقلية تريد التنفيذ، وأغلبية هزت وفودها رؤوسها بالموافقة بينما تسحب بيروقراطياتها أسلاك إنارة مصابيح كشف الفساد.. ولم نسمع التزاما بإيجاد آليات واضحة ترفع من الاتفاقية لمستوى ميثاق حقوق الإنسان. وإذا أخذنا الرشوة مثلاً، نجد أن أغلب الحالات التى تصل عناوين الصفحات الأولى من العالم الثالث، حيث تلقى الوزير «الفلانى» رشوة أو عمولة لتوقيع صفقة سلاح دفع فيها البلد ألف دولار لبندقية ثمنها فى السوق، حتى السوداء، لا يتجاوز 300 دولار. وبما أن الرشوة طريق فى اتجاهين، فماذا عن دافع الرشوة من العالم الأول الديمقراطى الذى يفترض أن يسير بحكم القانون؟ فمن هو مثلاً السياسى الذى يغامر بكشف رشوة دفعتها شركة إنتاج أسلحة متقدمة لوزير فى البلد الفلانى يستورد هذه الأسلحة، متأكداً أن العلاقات فى الشركة ستسرب للصحافة فى دائرته الانتخابية معلومات عن أن نزاهة السياسى ستلغى العقد، متسببة فى قطع رزق العمال فى الدائرة الانتخابية.. وكل مؤتمر لمكافحة الفساد وأنتم طيبين.