بمنطق يقترب ويبتعد فى الوقت نفسه عن منطق الشاعر الكبير فاروق جويدة، تحدث عدد كبير من الشعراء ل«المصرى اليوم» حيث قدموا أكثر من قراءة فى قصيدة جويدة «هذا عتاب الحب للأحباب» التى نشرت أمس فى «المصرى اليوم».. اعتبرها الشاعر محمد أبوسنة عزفا على نغمة سائدة لدى كل الشعراء، وتعبيرا حقيقيا عن واقع مصر المؤلم، بقوله: الشعراء فى قصائدهم ومنها قصيدة جويدة لا يكرهون مصر أو ينتقدونها، بقدر ما يكرهون وينتقدون ما يجرى على أرضها من فساد، وهذا لا يعنى عدم انتماء هؤلاء الشعراء أو كراهيتهم للوطن، فالوطن مقدس ومنزه فى نظر كل شاعر محب لبلده، والكتابة فى حب مصر لم تختلف معانيها، وإن اختلفت أدواتها ووسائلها، الكل يحبها والكل يعبر عن حبه بطريقته، أحدهم يعبر بقصيدة تدعو إلى الأمل، والآخر يهجو ويطمح فى تغيير. فارق واحد ألمح إليه أبوسنة بين الكتابة عن مصر لدى شعراء الستينيات، ومصر لدى الشعراء الشباب، يلخصه: الشباب رؤيته أكثر ذاتية لأنهم منغمسون فى الواقع أكثر من غيرهم، ويعبرون فى كتاباتهم عن تفاصيل حياتهم وأزماتهم التى لا تنتهى، لكنهم يفتقدون القضية والهدف الذى يجمعهم، وهذا ما كان يميز شعراء الستينيات. اليأس الذى قد تدفع إليه هذه النوعية من القصائد هو الخطورة الحقيقية التى تقف بينها وبين المتلقى، حسب تعبير الشاعر عبد الرحمن الأبنودى: إذا كان الشاعر صادقا مع واقعه، فعليه أن يعبر عنه دون محاولة إغراق الناس فى اليأس، رغم أن الصورة بالفعل محزنة للغاية، وقال: الشاعر فى الحالة دى بيبقى حيران، يكتب ويبين يأسه وإحباطه، ولا يتحزم فى كتاباته ويرقص عشرة بلدى والناس تقول عليه إما مجنون أو مش عايش فى البلد دى.. وأعتقد أن العيب الرئيسى فى مثل هذه القصائد أنها صادقة تنقل الواقع فتصل إلى الناس، ورغم إيمانى بأن واقعنا به ما يملأ كتباً ودواوين من القصائد المحزنة، لكن هذا لا يمنع الأمل فى غد أفضل نعبر عنه بقصائدنا. نقلة لابد منها.. هكذا بررت الشاعرة فاطمة ناعوت الحالة التى عبر عنها جويدة فى قصيدته.. تشرح منطقها: انتقال مصر من حال رفيع إلى حال أكثر انحدارا وتدنيا لابد أن تواكبه نقلة مماثلة لدى الشعراء، فلا تصلح أشعار أحمد شوقى وحافظ إبراهيم ومحمود حسن إسماعيل وإبراهيم ناجى فى هذا الوقت، ولا تعبر حقيقة عن واقع المصريين، لأن مصر وقتها كانت تعنى مصطفى مشرفة وطه حسين والطهطاوى وزكى نجيب محمود والعقاد وأم كلثوم وعبدالوهاب، الآن الوضع مختلف، مصر تدنت سياسيا وفكريا وفنيا وسلوكيا، إذا سألنا أين أشعار الأمل والتفاؤل والانتماء، يجب أن نسأل أولا أين المعادل الحقيقى لهؤلاء الرواد. فاطمة أكدت أنها خرجت عن الحالة السائدة وتغنت بجمال مصر فى قصائدها، وطريقها إلى هذه الحالة كان: فصلت بين مصر الناس والحكومة ومصر البلد والحضارة، كرهت الأولى وأحببت الثانية، وقررت التغزل فيمن أحببت. إنه رغم كل هذه العدمية التى قد تبدو فى كلماتى فإنها من الشعراء الزاهدين إلى أن مصر جميلة رغم لحظتها التاريخية الحارجة التى تمر بها، ذاك أنها ببساطة تقدر أن تفصل بين مصر الوطن والحكومة بأجهزتها من إعلام وتعليم التى أدت إلى الحالة التعسة التى تعيشها مصر الآن. من منطق وجيل وتوجه مختلفين تحدث عبد الرحمن يوسف القرضاوى: كتبت كثيرا فى حب مصر وتغزلت فيها أكثر، لكننى معارض للنظام وغير مقتنع به وأرى أنه السبب فى الفساد وهذا لا يعنى أننى أنتقد مصر فلا يجوز أن نخلط بين الوطن والنظام وإن كان نزار القبانى قام بذلك من قبل، ولكنه أمر طبيعى أن أعجز عن التغزل فى جمال سيدة مهما كان جمالها وهى تلطم وتبكى على أهلها الذين ماتوا فى العبارة ومن السرطان الناتج عن الأطعمة الملوثة والمسرطنة ولن أرى ملامحها الجميلة من الأساس. القرضاوى الأبن يرى الشاعر مجبرا وهو يكتب يأسا، فالأحداث من حوله تفرض عليه هذا اليأس، والمفارقة الشعرية لا تنطلق إلا مع الأسى المنتشر حولنا.. وقال: منين نجيب واقع حلو نبدع عنه.