الخوف من الحب مرض جديد انضم إلى قائمة الأمراض المصرية المزمنة مثل التراكوما والبلهارسيا والأنيميا التى تصيب قلب المواطن المصرى وجيبه، من أهم أعراضه الخوف من الحميمية، والرعب من البوح بالمشاعر، والفزع من إعلان العواطف، والكذب فى العلاقات، وأمية العشق، والجهل بأبجديات الحب، ومحاولة خداع الذات بأن ما نمارسه من علاقات مشوهة هو حب حقيقى. فبرغم أننا أكثر شعب غنى للحب وعن الحب فنحن أفقر شعب فى ممارسته بجد وبحق وحقيقى، فنحن شعب ثرثار فى النميمة عنه ولكننا نعانى من الخرس حين يقترب منا، البعض يدفعه بعيداً وبقسوة، والبعض يمزق جسده بالسكاكين، أما الكل فيتفق على شىء واحد هو أننا فى الحب نرتدى دوماً «ماسك».. قناعاً، ونتصرف بتصنع وافتعال، فنحن لا نعيش الحب وإنما نمثله وكأننا كومبارس فى مسرحية مملة معدة، نتصرف معه كأداء واجب وليس كرعشة حياة ونفحة خلق. تعرضت إذاعة «نجوم إف إم» المصرية لهجوم شديد وتحريض على منع برنامج «أنا والنجوم وهواك» الذى يقدمه المذيع الشاب أسامة منير كما منع من قبل برنامج «بثينة كامل»، البرنامج يتحدث فيه أسامة مع الشباب ويجعلهم يفضفضون عن علاقات حبهم، لجأ إليه الشباب لأنهم تعودوا أن يهمسوا سراً، ولأن المجتمع زرع فيهم الخوف وضخم داخلهم عقدة العيب ولم يسمح لهم بالفضفضة عاشوا على فتات النميمة السرية ما بين أصدقاء السن الواحدة، فظلوا يمارسون حب خفافيش الظلام الذى لابد أن يجهض فى الكهوف. كل من هاجم نوعية هذه البرامج أقنع نفسه بأنه ملاك طاهر يحمى الشباب من الفساد والانحلال (وهو الاسم الحركى للحب فى مجتمعنا)، وتناسى الجميع أنهم كانوا مراهقين يعانون من نفس المشاعر المضطربة والأحلام السرية المجهضة، ولكن من منا يتذكر مراهقته وأسرارها، وكأننا المجتمع الوحيد الذى يقفز أفراده من عتبة عبث الطفولة إلى باحة حكمة الشيوخ بدون المرور على سلالم المراهقة المجنونة الجانحة.. بالطبع من وجهة نظر أهل الحكمة والخبرة والكوليسترول الذين سدوا شرايين الأمل فى حياتنا وفى عواطفنا أيضاً. إحسان عبدالقدوس هو الآخر تعرض لحملة مطاردة حياً وميتاً بسبب الحب، فقد كان يقول فى ختام برنامجه الإذاعى الليلى تصبحوا على حب، فهاجت الدنيا وماجت واستفزت غدد الازدواجية الشرقية وأفرزت هرمونات ادعاء الطهارة والعفة والشرف واتهموا إحسان بتهمة المجون، وقد كانت الأرض ممهدة أمامهم فإحسان عبدالقدوس من وجهة نظرهم كاتب مغرق فى الحسية، وروائى يتخطى الخطوط الحمراء فى رواياته وقصصه، ويلمح إلى، ويصرح بالجنس الذى يلوث الحب، وطالبوا بالحب المعقم الذى يتربى فى صوبة لا فى الأحراش والغابات. وظل إحسان عبدالقدوس يمثل لهؤلاء شبحاً يؤرق طهارتهم المدعاة فقرروا بعد وفاته أن يقوموا بعملية إخصاء لرواياته الإباحية لتصبح روايات شرعية وقصصاً مطابقة للمواصفات القياسية لتحصل على شهادة أيزو الشرف والعفة، وبالفعل قامت إحدى دور النشر بحذف العبارات المخلة والسطور الإباحية التى تتناول الحب، وخرجت بطبعات مهذبة مؤدبة مثلما قامت الجهات الرسمية من قبل بقصقصة ريش ألف ليلة وليلة ومنعها من الطيران والتحليق بدعوى نشر طبعات منقحة، وهى الصيغة المهذبة للدعبسة واللغوصة فى أدمغة البشر وقلوبهم ومحاولة عمل كتالوج حكومى للعواطف وباترون فقهى لمشاعر الحب، وهكذا لوحق وطورد إحسان عبدالقدوس حياً وميتاً ليس بسبب كتاباته النارية فى السياسة ولكن لكتاباته الصادقة فى الحب وتشريحه الصريح لعلاقاته والتجول الحر فى سراديبه وكهوفه السرية. هل نحن نحتفل بعيد الحب أم نمشى فى جنازته؟