الذى حدث فى انتخابات نقيب الصحفيين هو مؤشر خطير على أن ثقافة التغيير قادمة قادمة، فلم تعد الأسماء هى المعيار للاختيار.. فاسم كبير مثل اسم مكرم محمد أحمد تعرض لموقف حرج سببته رغبة الكثيرين من الصحفيين الشبان فى التغيير فأعطوا أصواتهم لزميل لم تربطهم به علاقة صداقة.. أو علاقة معرفة.. بل أعطوه أصواتهم رغبة فى التغيير وليس كرهاً فى مكرم محمد أحمد. لم يتصور أحد المفاجآت التى حدثت فى أعقاب الجولة الأولى فقد وضعت مكرم فى مواجهة حرجة مع منافسه ضياء رشوان حتى أصبح الفارق بينهما خمسة أصوات ليفوز أحدهما بمركز النقيب.. أنا شخصياً حبست أنفاسى لأننى لم أتوقع هذه النتيجة فقد كانت كل التوقعات تشير إلى فوز مكرم بعد رحلة العطاء التى بدأها فى الستينيات ولم يتوقف عطاؤه للمهنة حتى بعد خروجه إلى المعاش.. ويكفى أن هذا الرجل خرج خروجاً مشرفاً فلم يحقق مكاسب من موقفه كرئيس لإحدى المؤسسات الصحفية.. ولم تكن لديه حسابات خاصة فى البنوك ولا أسهم فى البورصة.. ولا قطع أراض فى التجمع الخامس.. ولا فيلا فى مارينا.. لقد عاش فقيراً وترك جميع المواقع القيادية وهو فقير لا يملك إلا قلمه وكرامته.. لذلك كنت أتوقع فوزه مائة فى المائة. ويبدو أن أبناء المهنة لم تكن مثل هذه المعايير فى حساباتهم، فهم لم يرفضوا مكرم لشخصه.. أو لأنهم لا يحترمون تاريخه.. لكن كراهيتهم للنظام جعلتهم يرتمون فى أحضان زميل ليس محسوباً على النظام حباً فى التغيير فقط. وقد كان من الطبيعى أن تعلن الجولة الثانية عن حاجتها إلى طوق للنجاة حتى يفوز مكرم محمد أحمد.. وحدثت عملية تكثيف.. أبناء المهنة الذين رفضوا أن تقع نقابتهم فى ظل التكتلات الحزبية هم الذين ساندوا مكرم فى موقفه الوطنى بعد حضورهم اجتماع الجمعية العمومية فى الجولة الثانية.. لقد جاءوا حباً فى مكرم على اعتبار أنه أحد رموز هذه المهنة.. ويكاد يكون هو آخر العنقود بينهم بعد رحيل قمم الصحافة المصرية الأساتذة حافظ محمود وكامل الزهيرى وأحمد بهاء الدين وجلال الدين الحمامصى.. ثم اعتكاف إبرهيم نافع عن العمل النقابى.. أبناء المهنة يعرفون رحلة هؤلاء فى تاريخ النقابة فكانوا أوفياء لهم.. ولا أعرف سبب الجحود الذى أصاب عدداً كبيراً من الصحفيين الشبان ناحية أساتذتهم.. ولماذا هذا الفتور؟.. فى حين أننا كنا مع أساتذتنا الذين سبقونا مخلصين ندين لهم بالوفاء.. فالكل يعرف تاريخ مكرم ومع ذلك انصرف عدد كبير ناحية الدم الجديد الذى اختار أن يكون منافساً لشيخ من شيوخ المهنة. أنا شخصياً أحترم ذكاء الزميل ضياء رشوان فهو رغم أنه لم يحقق خبطات صحفية فى حياته إلا أنه يملك قلماً ملتهباً بالوطنية عرفناه به من خلال مقالاته فى «المصرى اليوم» وكلمة حق أقولها أمام الله والتاريخ أن الزميل الأستاذ مجدى الجلاد، رئيس التحرير، كان صاحب الفضل فى اكتشاف كل هذه الأقلام.. ولولا «المصرى اليوم» ما كنا نعرف شيئاً عن الموقف الوطنى للزميل ضياء رشوان.. الذى عرفناه كاتباً فى «المصرى اليوم».. ولم يكن صوته مسموعاً فى مؤسسة الأهرام التى ينتمى لها كأكبر باحث فى مركز الدراسات. ضياء قرر أن يدخل فى منافسة مع شيخ من شيوخ المهنة وابن من أبناء الدار التى ينتمى لها.. وهو يعلم رغبة الشباب فى التغيير، وبمجرد أن طرق الأبواب اتجهت إليه الأصوات دون عناء أو مشقة لأنها متعطشة للتغيير.. وأنا معهم فالتغيير هو سنة من سنن الحياة.. وثقافة التغيير أصبحت مطلوبة.. لكننا نفتقد البُعد الاستراتيجى.. فأنا أفهم أن أفاضل بين شخص وشخص بالقدرة على العطاء.. والحكم فى هذه القضية هو نظرية المفاضلة وليس الهوجائية فى المسميات.. ومشكلتنا أن الدولة تقتر علينا بالحقوق.. وأصبحت الوعود التى تمنحها لكل وجه مقبول من جانبها هى رشوة حكومية مرفوضة.. ومع ذلك يقبلها الأعضاء على اعتبار أنها حق مغتصب عند الحكومة يستردونه على شكل منحة.. ولا أعرف لماذا تتعمد الحكومة أن تهين الصحفيين مرة بالإعلان عن صرف بدل تكنولوجيا ومرة عن بدل وثائق ومكتبات.. وما أكثرها من مسميات.. وتبقى الأمور معلقة إلى أن يرق قلب وزير المالية وفى تصريحات علنية تحمل المن يخرج علينا الدكتور يوسف بطرس غالى وهو يعلن عن تفضله بصرف ما أسماه بالبدل أو الإعانة. على أى حال.. فوز مكرم محمد أحمد هذه المرة يجعلنا نتوقف عنده.. لعلنا ندرس ثقافة التغيير.. صحيح أنه الأحق بمركز النقيب لاستكمال الوعود التى قطعها على نفسه.. وأن فارق أصوات الجولة الثانية كان وساماً له عن نجاحه فى الجولة الأولى حيث كان فى حاجة إلى 4 أصوات للفوز بها.. فقد كان فوزه فى انتخابات الإعادة له طعم خاص خاصة عندما يأتى من مساندة أبناء المهنة لشيخ من شيوخ الصحافة.. وضعوا النقابة أمانة فى رقبته.. وكأنهم يختمون بهذه الجولة رحلة العواجيز.. وإذا كان الحظ لم يحالف ضياء رشوان هذه المرة.. فنحن ننتظره على أمل أن يأخذ مكانه بين الوجوه الشابة فى الانتخابات القادمة.. فمرحباً بشبابنا.. المهم أن نعد وجوهاً من الآن تكون مقبولة ومرغوبة وقادرة على العطاء، لا تحنى رأسها لحاكم.. ولا تستسلم لوزير حتى ولو كان وزيراً للمالية.. نريد وجوهاً تقف فى وجه النفاق الحكومى.. وتجعل للصحفى مكانته وهيبته.. المهم أن ترفع الحكومة يدها عن تصنيف الصحفيين.. لأننا فى النهاية كلنا وطنيون نعيش لمصر.. ونموت من أجل مصر. [email protected]