يعرف المتابعون للشأن العام فى البلد أن الأستاذ عصام سلطان قيادى إخوانى شاب سابق، وأنه يعرف عن جماعة الإخوان أكثر مما يعرفه غيره، بحكم وجوده فيها من عام 1980 إلى عام 1996، حين قدم استقالة مكتوبة للمرشد العام وقتها، وكان عندما فعلها، أول قيادة شابة واعية، تواجه قيادة الجماعة بما تنكره من بديهيات، ثم انتهت المواجهة بترك الجماعة كلها، بعد أن تبين له، فيما أظن، أن النوايا هناك، فى جانب كبير منها، ليست صادقة على نحو ما يجب أن تكون عليه من درجة الصدق، تجاه المصالح العليا للبلد! وقد لفت الرجل انتباهى إلى واقعة حاسمة فى تاريخ جماعة الإخوان، حدثت عام 1942، حين تقدم الإمام الراحل حسن البنا بأوراق ترشيحه فى البرلمان بإحدى دوائر الإسماعيلية، وهى الدائرة التى كان يعمل فيها مدرساً، وهى أيضاً التى كان قد أطلق منها الجماعة عام 1928. وما جرى فى ذلك الوقت، أن البنا كان قد انتهى من تقديم أوراقه، وكانت الانتخابات على الأبواب، وكانت المؤشرات كلها تدل على أن مرشد الجماعة الأول سوف يكتسح، وسوف يحقق نجاحاً غير مسبوق، فحاصرت الدبابات الإنجليزية المقر الانتخابى للبنا، لمنعه من الترشح وخوض الانتخابات، وكادت الشوارع تمتلئ بالدم، لو وصلت المواجهة إلى مداها، لولا أن النحاس باشا، زعيم الوفد، قد أجرى اتصالاً بالبنا، تراجع بعده، وسحب أوراقه، وآثر السلامة، وأنصت لنصيحة النحاس! وحقيقة الأمر، أن انسحاب البنا بعد محاصرة الإنجليز لمقره الانتخابى، وبعد اتصال زعيم الوفد، لم يكن استجابة مباشرة للاتصال من النحاس، ولا تراجعاً غير مباشر أمام حصار الإنجليز، بقدر ما كان الإمام البنا قد أدرك، بعقل كبير كان فى رأسه، ثم أدرك أيضاً من خلال حس وطنى وسياسى رفيع كان فى أعماقه، أن مصلحة الأمة يجب، فى كل الأحوال بلا استثناء، أن تتقدم مصلحة جماعة الإخوان، أياً كان حجم المصلحة التى يمكن أن تجنيها الجماعة من وراء أى موقف تجد نفسها فيه! ذلك أننا لو افترضنا أن أعضاء الجماعة الآن مليون مواطن مثلاً.. مثلاً فإن مصلحة 79 مليوناً من المصريين يتحتم أن تتقدم، دون نقاش، مصلحة هذا المليون، أياً كان الأمر، وأياً كان الموضوع!.. وهذا بالحرف ما كنت أعنيه، حين قلت، بالأمس، إن حرمان المصريين جميعاً من أن يعيشوا حياة ديمقراطية سليمة، منذ عام 1952 إلى عام 2009 كان يتم، ولايزال، بذريعة وجود الإخوان فى الحياة السياسية، وكان المبرر الجاهز لدى النظام الحاكم، فى كل عصر منذ بدء الثورة، أن إطلاق الحياة الديمقراطية، على أساس سليم، معناه مجىء الإخوان إلى الحكم وإقامة دولة دينية، وكانت المحصلة الطبيعية هى معاقبة 80 مليوناً، باسم جماعة الإخوان، وبسببها! وكان تغليبها مصلحة الأمة على مصلحتها، هو الأمل الباقى، ولن يحدث هذا إلا بإعلانها الانسحاب طوعاً من حياتنا السياسية، واتجاهها إلى العمل الاجتماعى الخالص وحده! وما هو أهم من ذلك كله، والأخطر فعلاً، أن قيادة الجماعة المتعاقبة، خصوصاً الحالية كانت، ولاتزال، تخفى واقعة البنا إياها، وتحاول دفنها تماماً، بحيث لا يأتى ذكرها فى أى مناسبة، فإذا ذكرها أحد، راحت تشوش عليه حتى لا تصل الواقعة بمعناها إلى عقول الناس!.. فهل يعود ذلك إلى أن قيادات الجماعة، تؤمن بعكس ما كان يؤمن به البنا، مؤسس الجماعة وصاحب أكبر عقل فيها على امتداد تاريخها، أم يعود إلى ماذا على وجه التحديد؟!