ذكر التقرير السنوى الثانى لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، حول حقوق الإنسان فى العالم العربى خلال عام 2009، أن مصر تشهد مزيدا من التدهور لوضعية حقوق الانسان على مستويات متعددة، مرجحا أن استخدام قانون مكافحة الإرهاب الذى أوشكت الحكومة على الانتهاء من إعداده سيستخدم ضد «المعارضين السياسيين». وكشف التقرير الصادر عن المجلس أمس، أن حالة حقوق الإنسان فى المنطقة العربية، تتجه إلى المزيد من التدهور، حتى بالمقارنة مع الوضع المتدهور عام 2008. واستعرض التقرير الذى أعلن تحت عنوان: «واحة الإفلات من المحاسبة والعقاب» أبرز التطورات ذات الصلة فى 12 بلداً عربياً، هى مصر وتونس والجزائر والمغرب والسودان ولبنان وسوريا وفلسطين والعراق والسعودية والبحرين واليمن، متناولا فصولا خاصة تتناول بالتحليل أداء الحكومات العربية داخل هيئات الأممالمتحدة المعنية بحقوق الإنسان، وجامعة الدول العربية. ويعالج التقرير فى فصل مستقل موقف الحكومات العربية من قضايا حقوق المرأة، وحدود التقدم المحرز فيها، ومدى استخدامها كورقة ل«تجميل الصورة» أمام المجتمع الدولى، وللتملص من استحقاقات الديمقراطية وحقوق الإنسان للرجال والنساء على حد سواء. وبخصوص مصر أكد التقرير أنها تشهد مزيدا من التدهور لوضعية حقوق الانسان على مستويات متعددة، مشددا على أنه لا يقلل من قتامة المشهد الحقوقى، «ما هو ملحوظ من تسامح نسبى تجاه الحركات المطلبية الفئوية، معتبرا أن التراجع المحدود للعقوبات السالبة للحرية فى مجال الصحافة والنشر، بفضل بعض الأحكام القضائية، التى مالت لا ستبدالها بغرامات تثقل كاهل المؤسسات الصحفية، لايقلل من قتامة المشهد، حيث إن ذلك يواكب الحرب الشرسة على وسائط التعبير الإلكترونى ونشطاء الإنترنت على وجه الخصوص، الذين باتوا أهدافا متزايدة للقمع بموجب قانون الطوارئ، وممارسات الاختطاف والإخفاء داخل مقار مباحث أمن الدولة». ولفت التقرير إلى أن هذا التقييم لا يتناقض مع الإقرار بأن مساحة حرية التعبير فى مصر أفضل نسبيا منها فى معظم البلدان العربية، مشددا على أنه أمر يحسب قبل كل شىء لشجاعة صحفيين وكتاب ومدونين تجاسروا على خرق الطوق القمعى والخطوط الحمراء، التى فرضتها السلطات على حرية التعبير لعدة عقود فى ظل استمرار حالة الطوارئ للعام الثامن والعشرين على التوالى، والحصانة التى تتمتع بها الأجهزة المسؤولة عن حفظ الأمن، منوها بأن «المئات من المصريين أو من المهاجرين غير الشرعيين ظلوا أهدافا للقتل خارج نطاق القانون، نتيجة الاستخدام المفرط للقوة، أو نتيجة للتعذيب داخل أقسام الشرطة. كما ظل العشرات من المواطنين هدفا لمحاكمات جائرة عبر محاكم الطوارئ والمحاكم العسكرية الاستثنائية». وانتقد التقرير استخدام قانون الطوارئ، مشيرا إلى أنه ورغم أن الحكومة تؤكد دائما على أن قانون الطوارئ لا يستخدم إلا فى مواجهة المشتبه بهم فى تجارة المخدرات أو ارتكاب جرائم إرهابية، إلا أن عام 2009 شهد استخدامه ضد عدد متزايد من النشطاء السياسيين والمدونين، الذين لم توجه إليهم أى من التهمتين، لافتا إلى أنه سلوك تتبعه الجهات الأمنية منذ إعلان حالة الطوارئ منذ 28 عاما، الأمر الذى يرجح أن قانون مكافحة الإرهاب الذى أوشكت الحكومة على الانتهاء من إعداده، سيستخدم فى مواجهة النقاد والمعارضين السياسيين غير المتهمين باستخدام العنف، وأنه سيكون فى جوهره «تطبيعا » لحالة «الطوارئ» وتحويلها لحالة «دائمة». وحذر التقرير من خطورة تنامى معالم «الدولة الدينية»، وذلك من خلال توظيف الدين بكثافة أكبر فى إدارة دولاب الدولة، موضحا أنه صار ممكنا أن يضاف لمهمات وزارة الداخلية مطاردة الأقباط الذين يصلون فى منازلهم، نظرا لعدم السماح لهم بإقامة كنائس للتعبد فيها. وتعقب المفطرين علنا فى نهار شهر «رمضان»، فضلا عن استخدم قانون الطوارئ لتعقب من يسمون ب«منكرى السنة النبوية» وملاحقة مئات من معتنقى المذهب الشيعى، تحت مظلة من التحريض الإعلامى ضد الشيعة. وذكر أن انعكاسات ذلك وصلت فى النهاية فى البرلمان، حيث يطالب نواب فى الحزب الوطنى الحاكم، بإصدار تشريعات تجرم «البهائية» وتعاقب المفطرين علنا فى شهر رمضان، مما يفاقم من مظاهر العنف الطائفى بين المسلمين والأقباط، ويتسع نطاقها الجغرافى، لتشمل 10 محافظات، فضلا عن تعرض البهائيين لاعتداءات بدنية غير مسبوقة من مسلمين. واعتبر التقرير أن «منظمات المجتمع المدنى مازلت أسيرة التدخلات والضغوط الإدارية والأمنية، فيما تجرى ملاحقة مئات من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وتواصل لجنة شؤون الأحزاب التى يهيمن عليها الحزب الحاكم رفض طلبات تأسيس أحزاب جديدة». وأرجع التقرير الإفراج الصحى عن مؤسس حزب «الغد» أيمن نور، إلى «استجابة لضغوط خارجية» قبل شهور من انتهاء مدة عقوبته بالسجن 5 سنوات، معتبرا ذلك الحدث يعد «تطورا إيجابيا»، مؤكدا أن نور يظل محروما من حقوقه السياسية، طالما لم يرد اعتباره بعد إدانته فى محاكمة غلبت عليها الدوافع السياسية. وأضاف التقرير: وعلى الصعيد التشريعى، جرت تطورات محدودة القيمة، كان أهمها تعديل اللائحة التنفيذية لقانون الاحوال المدنية، استجابة لما انتهى إليه قضاء مجلس الدولة، بما ييسر لبعض البهائيين الحصول على بطاقة شخصية لا تفرض عليهم دينا لا يؤمنون به. وأشار إلى أن اعتماد تعديلات على قانون مجلس الشعب، بتخصيص 64مقعدا إضافيا داخل البرلمان، يقتصر التنافس عليها بين النساء وحدهن بأنه «إجراء ديكورى» لايرقى لضمان مشاركة سياسية حقيقية للرجال والنساء على حد سواء، بل سيلة للحصول على رصيد إضافى من المقاعد البرلمانية للحزب الحاكم، بالنظر لما هو متوقع من عزوف الشخصيات النسائية المستقلة أو المعارضة عن الترشح توقعا لفشل مؤكد، ما لم يكن هناك صفقة مع الحزب الحاكم، وذلك بسبب أن «الدوائر النسائية » بالغة الاتساع، ويمتد معظمها ليشمل محافظة بكاملها. وأكد التقرير أن إدراك أن الكلمة العليا فى حسم الانتخابات على مقاعد الرجال والنساء هى «للمال والبلطجة والعنف والدعم الحكومى لمرشحى الحزب الحاكم، بما فى ذلك التدخل لتغيير النتائج دون محاسبة».