من هو الشخص الذى يستحق أن نضحى من أجله؟.. اتضح أنه أصعب سؤال فى هذا الزمان.. اسأل نفسك بعد أن تؤدى واجب التضحية فى العيد.. لماذا تراجعت قيم التضحية والإيثار والشهامة فى حياتنا؟.. وهل لو رأيت إنسانًا يغرق سوف تقفز إلى المياه كى تنقذه؟.. ولاّ تِعمل عبيط وتمشى.. فى طريقى من القاهرة إلى بلدتى دكرنس أمر بجوار البحر.. أقصد تفريعة من النيل ناحية كفر شكر.. كان الطريق يضيق كثيرًا والسيارات البيجو «السبعة راكب» والميكروباص تجرى بسرعة جنونية حتى إن أهالينا أطلقوا عليها النعش الطائر.. عفاريت الأسفلت الذين هم السواقون يسابقون الزمن من أجل مشوار زيادة صد ورد.. كانوا يتسببون أحيانًا فى الحوادث القاتلة، وفى تصادمات مروعة.. أنا شاهد عيان على حادثة انضربت سيارتان فى بعضهما فانقلبت إحداهما ونزلت فى الترعة.. نزلنا من سياراتنا مفزوعين من هول الصدمة.. توقعت أن يسارع العشرات بالقفز فى المياه لإنقاذ ركاب السيارة الغرقانة.. لم يحرك أحد ساكنًا.. أنا لا أجيد العوم ولا السباحة وأغرق فى شبر ميه.. صرخت فيمن حولى وأنا أرى الغرقى يحاولون الهروب من السيارة وهى تغوص فى المياه رويدًا رويدًا.. نجح كثير منهم وظلوا يقاومون الغرق ويتعلقون بأى شىء يساعدهم على النجاة.. صرخت فى الناس مرات ومرات: انزلوا ساعدوهم.. ارموا (سلبة) أو حبلاً طويلاً.. افعلوا أى شىء.. تمر الثوانى كأنها دهر بكامله والغرقى يحاولون، والمتفرجون يمصمصون الشفاه، ولم يتحرك واحد منهم لإنقاذ أى غريق.. صرخت فى أكثر من مائة شخص تجمهروا (ونفضوا) وكأنهم يتفرجون على فيلم سينمائى.. قال بعضهم: الغرقان ممكن ياخدك ويغرق.. قلت انزلوا مجموعة وأنقذوا أى واحد.. كنت أحدثهم وعينى على الذين بدأوا يختنقون فى المياه العميقة.. غرقوا للأسف الشديد.. جميعًا.. كل ركاب السيارة التى وقعت فى الترعة.. وظلت هذه الحادثة المروعة تطاردنى مثل الكابوس ليل نهار.. ما الذى حدث لنا؟.. لماذا تغيرنا إلى هذه الدرجة؟.. أين شهامة أولاد البلد والفلاحين الرجالة المجدع؟.. ولماذا لم يهب المئات للنزول للمياه لإنقاذ الغرقى؟.. عاودتنى هذه القصة المفجعة وأنا أسأل عن معانى التضحية والفداء.. هل ما زال فى حياتنا رائعون يضحون من أجل الآخرين أو من أجل أقرب الناس إليهم.. اخطف رجلك فى زيارة سريعة إلى دار المسنين لترى الفواجع.. واحدة من النزيلات نادتنى وقالت تعرف فلان بيه؟.. قلت لها: نعم.. إنه مسؤول كبير بدرجة وزير.. قالت لى سلملى عليه، فأنا لم أره منذ سنة، وقل له أمك تريد أن تزورها فى دار المسنين.. هل نضحى ببعض أوقاتنا من أجل زيارة المرضى؟!.. إنها زكاة الوقت وزكاة الصحة.. هل نضحى من أجل قضاء حوائج الناس أم أننا تحولنا.. نحن المتحولون فى زمن الأنامالية وفى زمن الهمبكة وفى زمن الفجاجة والانتهازية.. إذا كنت لا تصدقنى انظر إلى الإعلانات التليفزيونية وربما تستمع إلى من يقول لك.. تضحية إيه يا وديع.. إدبح يا وديع. [email protected]