الإبهام صانع الحضارة

«أصبع الإبهام كوم وباقى الأصابع كوم تانى»، هذه العبارة التى قالها لنا أساتذتنا فى كلية الطب كانت تتردد دوماً فى آذاننا عندما نقدم على كتابة تقرير بنسب العجز لأى عامل أو موظف، فدائماً نسبة العجز بالنسبة للإبهام أضعاف أضعاف أى أصبع آخر، كنا نشخص بطريقة روتينية دون أن نفطن إلى أن تاريخ الحضارة الإنسانية قد ولد على يد هذا الأصبع العجيب،
وأن هذا الأصبع الخطير العبقرى هو سر تقدم الإنسان وتميزه على باقى الكائنات الحية وتفوقه على الثدييات وعلى رأسها القرود التى تعطلت مسيرتها الحضارية بسبب شلل هذا الأصبع عن القيام بحركة اقتراب الإبهام من كل الأصابع OPPOSITION التى نفعلها فى حالة العد مثلاً، وهى الحركة المتفردة التى ساعدت الإنسان على القبض على الأشياء والصناعة والاختراع والإبداع والكتابة.... إلخ.
حركة الإبهام خلقت قبضة اليد والقدرة المتميزة على الإمساك بالأشياء التى ستؤدى إلى الاختراع والإبداع، فبدون هذا الأصبع لا تستطيع حتى لضم الخيط فى الإبرة، خلق لنا الإبهام نعمة الكتابة ونعمة تهذيب وتشذيب الأحجار كأول آلات صناعية، وكل النعم الأخرى من السكين حتى اللاب توب!،
ولكن هل الإبهام هو كلمة السر الوحيدة فى حضارتنا الإنسانية؟. ساعد بنى البشر أشياء أخرى غير الإبهام على الولوج من باب الحضارة والفوز بسباق التفوق، أهمها انتصاب القامة الذى حرر اليدين من استعمالهما فى السير لكى يتفرغا للإبداع،
 وقد وسع انتصاب القامة من مجال النظر وجعل العينين تتجهان إلى الأفق والسماء لمزيد من الاستكشاف والتأمل، ولكن انتصاب القامة للأسف اختصنا بتفرد سلبى آخر وهو تفرد الانزلاق الغضروفى، فالمستشفيات البيطرية لا تعرف حصاناً أصيب عموده الفقرى بالانزلاق، أعتقد أن هذا الانزلاق ضريبة تحضرنا.
حجم المخ بالنسبة للجسد كان عاملاً مهماً أيضاً فى تفوق الحضارة الإنسانية وتميز البشر عن باقى الحيوانات، وقد ساعد على كبر حجم المخ تحول العينين من جانبى الصدغ إلى مقدمة الوجه والتى أضافت إلى طبيعة نظرنا ومشاهدتنا للأشياء تفرداً وتميزاً مهماً، وهو النظرة التجسيمية بالعينين التى ترى كل الأبعاد لا النظرة الفوتوغرافية المسطحة الملساء الباردة.
الصندوق الصوتى بما فيه من حنجرة وأحبال صوتية ولسان كان هو الآخر عاملاً مساعداً على التفوق الإنسانى، ففك الإنسان الصغير وبروز ذقنه للأمام سمح للسان والحنجرة بالحرية، فخلقت اللغة ونقلت التجربة الإنسانية من جيل لآخر وولد التاريخ الذى نتفرد به عن باقى الكائنات التى بلا تاريخ مشترك، فالفأر لا يستطيع إخبار أبنائه من الجرذان بتاريخ الفخاخ فيظل تساقط الفئران بلا نهاية.
شكراً لأصبع الإبهام الذى أخرجنا من عالم الغموض والأوهام.