أثارت الموافقة على منع بناء المآذن على المساجد فى سويسرا ردود فعل غاضبة من العالم الإسلامى ومواقف مندهشة ومحبطة من قبل الحكومات الغربية، ومنها الحكومة السويسرية، وردودا مرحبة ومشجعة مثل اليمين الهولندى والنمساوى. ولكن لم تصدر ردود فعل عنيفة من قبل بعض المتأسلمين كما حدث بعد نشر الرسومات المسيئة للرسول فى الصحف الدنماركية وغيرها. فهل المشكلة فى منع بناء المآذن التى لا يتعدى عددها أربع مآذن من أصل مائتى مسجد فى سويسرا؟ أم أن المشكلة أنها بداية لموجة من اليمين الأوروبى ضد المسلمين المتواجدين على أراضيها؟ أعتقد أن المشكلة تقع على أكثر من صعيد والوقوف عندها قد يوضح الصورة المحيطة بتلك المشكلة. على مستوى اليمين السويسرى المتمثل فى حزب الشعب ومعه أحد التيارات المسيحية المحافظة تقع المشكلة فى أن هذا التيار يسعى منذ فترة للتضييق على المهاجرين، والمسلمون جزء منهم، فمنذ عام 2007 وهناك حملة من قبل ذلك التيار لوقف بناء المآذن ونجح فى وقف بناء عدد منها. إذا كان ذلك التيار يريد الحد من الراديكالية الإسلامية، المتمثلة فى فرض النظام الإسلامى من الناحيتين السياسية والاجتماعية والقانونية على المجتمع السويسرى فقد أخطأ الهدف. وذلك لأن منع بناء المآذن لن يوقف بعض الراديكاليين الإسلاميين عن الدخول للمساجد ونشر أفكارهم بين الشباب المسلم واستخدام قنوات أخرى لتجنيد هولاء الشباب لأفكارهم. إن مواجهة الإسلام السياسى لن تتحقق من خلال إثارة قضية سطحية لا تغنى فى هذا المضمار، ولكن من خلال قنوات أخرى مثل نوعية أئمة المساجد وتمويل المساجد وكيفية دمج المجتمع المسلم داخل المجتمع السويسرى. على مستوى الجالية الإسلامية فى سويسرا، التى يبلغ عددها حوالى 400 ألف نسمة أى حوالى 5% من سكان سويسرا البالغ عددهم 7.5 مليون نسمة، فقد وقعت عدة أخطاء ساهمت فى الموقف الراهن. يركز بعض المسلمين على الشكل أكثر من المضمون فإن وجود المساجد لم يتأثر من جراء منع بناء المآذن، وبالتالى فإن حرية العبادة مكفولة للمسلمين. ومن هنا الإصرار المتوالى من قبل بعض المسلمين على التقدم بطلبات لبناء مآذن قوبل بحملة مضادة من قبل اليمين السويسرى، ونجح الأخير فى وقفها فى عدة حالات منذ عام 2007 انتهاء بمنعها كلية. يضاف إلى ذلك أن المسلمين غير ناشطين سياسيا فى سويسرا وهذه ملاحظة عامة على المجتمعات المسلمة فى أوروبا وأمريكا باستثناءات بسيطة مثل حالة بريطانيا التى يوجد بها عدد من أعضاء البرلمان. كما أن هناك اعتقاداً حول الإسلام فى أوروبا بأنه يحرض على السيطرة على أوروبا والعنف، وأن التركيز على ما حدث فى الولاياتالمتحدة وبريطانيا وإسبانيا أمثلة كثيرا ما تستخدم من قبل اليمين الأوروبى، وتصويت 57.5% من السويسريين لتأييد قرار منع بناء المآذن خير دليل على ذلك. أى أن هناك قصوراً من قبل المسلمين فى أوروبا للتفاعل مع الآخر بصورة تشجع على التعاون وليس العداء والصراع. على مستوى العالم الإسلامى هناك قصور من الناحية الإعلامية فى توضيح صورة الإسلام للغرب ومحاولة تشجيع المسلمين على الاندماج فى المجتمعات الأوروبية. هناك حاجة لفقه جديد يشجع المسلمين، كأقليات فى أوروبا، على الاندماج فى مجتمعاتهم والانتماء إليها، وبغير ذلك تظل حالة الضبابية حول هوية المسلم الأوروبى قائمة للأمد غير المنظور. فى النهاية أود القول إن اندماج المسلمين فى مجتمعاتهم الأوروبية مع ممارستهم لحرياتهم الدينية هو الصيغة الأمثل للخروج من ذلك النفق المظلم الذى سوف يستمر معنا إن لم نتخذ خطوات عملية فى هذا الاتجاه. يجب أن يتذكر مسلمو أوروبا أنهم أقلية لهم حقوقهم فى ظل مجتمع تحكمه الأغلبية من خلال الديمقراطية. أكاديمى مصرى مقيم فى بريطاني