أحدثت نتيجة الاستفتاء السويسرى بالموافقة على قانون حظر بناء المآذن أعلى المساجد والمراكز الإسلامية الجديدة فى سويسرا صدمة فى الأوساط الإسلامية الأوروبية، وبنفس الدرجة تسببت النتيجة فى انتعاش ملحوظ لبرامج الأحزاب والقوى السياسية الداعية لوقف المد الإسلامى ومنع بناء المآذن والمساجد فى دول وسط أوروبا، خاصة ألمانيا والنمسا. ففى النمسا، تجدد الجدل حول المساجد الثلاثة ذات المآذن فى البلاد، والمظاهرات التى اندلعت فى العاصمة فيينا مايو الماضى تطالب بحظر إنشاء مساجد جديدة، وبمنع إنشاء المركز الإسلامى بمدينة بريجيتيناو، والذى وضع حجر أساسه منذ عام 1996، ولم يتضمن تخطيطه إنشاء مآذن. الأحزاب اليمينية فى النمسا اعتبرت نتيجة الاستفتاء السويسرى تعبيرا عن رفض شعبى لما وصفوه ب«التطرف الإسلامى الراديكالى»، لكن صحيفة «دير شتاندارد» النمساوية أكدت أن المشهد الحالى يبعث على الخوف والقلق من صعوبة التعايش بين اليمين المتصاعد ضد الوجود الإسلامى، ورغبة المسلمين فى أداء فرائضهم داخل المساجد. ولفتت الصحيفة إلى أن المجتمع الأوروبى منذ 30 عاما لم يكن يعانى من هذه الإشكاليات، فالمعمارى النمساوى ريتشارد لوجنر هو من صمم مئذنة مسجد ضاحية فلوريدسدورف بالعاصمة فيينا، وبلغ ارتفاع المئذنة 32 مترا ولم يقابل الأمر آنذاك بالاحتجاج والمظاهرات. لكن الوضع فى ألمانيا يختلف عن المشهد فى سويسرا والنمسا، رغم الاحتجاجات التى تشنها جماعات وأحزاب يمينية ألمانية ضد بناء المساجد هناك، بحجة أن بناء المآذن شاهقة الارتفاع خروج على تقاليد البناء المتبعة فى المدن الألمانية، حيث تحفظت الصحف الألمانية الصادرة أمس على نتيجة الاستفتاء وأبرزت مواقف قيادات إسلامية معارضة للنتيجة. حيث اهتمت جميع وسائل الإعلام الألمانية مؤخرا بوضع حجر أساس المسجد الجامع الكبير بمدينة كولن، إحدى كبريات مدن غرب البلاد، والتابع لمنظمة «ديانت» التركية شبه الحكومية، والمزمع افتتاحه نهاية العام المقبل، وستعلوه مئذنتان ارتفاعهما 55 مترا، ستصبحان الأعلى والأكثر تميزا فى أوروبا، علما بأن ارتفاع برج كاتدرائية المدينة يبلغ 157 مترا. ولم تتراجع الحكومة الاتحادية الألمانية أو دار العمودية بكولن عن السماح للأتراك ببناء المسجد، رغم احتجاجات جماعة «برو كولن» اليمينية المتطرفة، وبعض الحركات اليمينية غير الرسمية، ومظاهراتهما، التى تزامنت مع توقيت منح أرض المسجد للمنظمة التركية، ثم حفل وضع حجر الأساس الذى أذيع فى بعض القنوات التليفزيونية المحلية، وتلا خلاله مقرئ تركى ما تيسر من القرآن أمام ممثلى الحكومة الألمانية. ونشرت صحيفة «دى فيلت» الألمانية تصريحات لباول بويم، المصمم المعمارى لمسجد كولن الجديد، وصف فيه منع بناء المآذن ب«التصرف غير الديمقراطى وأن نتيجة الاستفتاء السويسرى تؤدى لاتخاذ قرار غبى، قد يمثل خطأ كبيرا». ورغم ما يشاع دائما عن التوجهات السلبية نحو المسلمين ودور عبادتهم فى أوروبا، أوضحت إحصائيات حديثة أن 40 ألفا من غير المسلمين زاروا خلال العامين الماضيين المسجد الجامع فى مدينة دويسبورج الألمانية، والذى افتتح عام 2008 وتعلوه مئذنة ارتفاعها 34 مترا، مما يعكس تناقضا ملحوظا فى مواقف الأوروبيين من المساجد والمآذن. وتوالت ردود الفعل الغاضبة داخل سويسرا فقال بيان لاتحاد الجمعيات المسلمة فى فرايبورج نشره موقع سويس انفو السويسرى «مع الأسف، تمكن أصحاب المبادرة، بفضل حملتهم الدعائية المشوهة من تعبئة جزء كبير من الشعب من خلال إثارة مخاوف معظمها لا علاقة له بالمسلمين فى سويسرا. وقال ان المسلمين الذين يعيشون هنا فى سويسرا يعترفون بدستور سويسرا وبنظامها القانونى. وهذا الاعتراف يكرّس شعورهم العميق بأن حقوقهم الدستورية تتعرض للانتهاك». ويضيف البيان أن الهدف الرئيسى لمن أطلقوا المبادرة لم يكن الوصول إلى حظر بناء رمز مرتبط بمكان للعبادة، بل هم حاولوا طوال هذه الحملة تقديم الإسلام بمفاهيم مغلوطة وبنصف حقائق وذلك عبر جلب صور إرهاب من الخارج لا تمت بصلة بالأسر المسلمة المقيمة فى سويسرا». وقال فرهاد أفشار، رئيس تنسيقية المنظمات الإسلامية فى سويسرا، فى تصريح لوكالة الأنباء السويسرية: «ما يؤلمنا أكثر لا يتمثل فى حظر المآذن بل فيما يرمز إليه هذا التصويت. فالمسلمون لا يشعرون بأنهم مقبولون كمجموعة دينية». وأضاف أفشار أن هذا التصويت «مسّ بالحقوق الأساسية وحماية الأقليات، ومع الأسف، لم تأخذ الأحزاب السياسية هذا الرهان على محمل الجد. وليس باستطاعة المنظمات الإسلامية شن معركة سياسية لأن ذلك هو عمل الأحزاب التى فشلت فى هذا التصويت». وأعلنت الجالية المسلمة فى برن أنها لن تسحب مطلبها الداعى إلى تشييد مئذنة فى مسجدها بالمدينة، وأوضحت أنه إذا ما استندت السلطات البلدية إلى نتيجة التصويت على المبادرة الشعبية لرفض مطلب البناء، فإنها مستعدة للذهاب إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فى ستراسبورج للدفاع عن حقها فى ممارسة دينها بحرية.