ليس غريباً أن تولد الصداقة من صدام فكرى حاد، الصدام يكشف حقيقة الإنسان: (قدرته على قبول الآخر، والحوار بالحجة والمنطق، وأدب الخلاف.. إلخ). هكذا بدأت صداقتى بالكاتب الصحفى «محمد عبدالقدوس»، مقرر لجنة الحريات بنقابة الصحفيين. لم أتصور أن هناك «قضية ما» تجمعنا!. فكلانا يقف على الطرف النقيض للآخر. آخر ما كنت أتوقعه أن نجتمع لنصرة الدكتور «نصر حامد أبوزيد»، أو أن يكون «عبدالقدوس» متجاوزاً لمساحات الخلاف الواسعة، ليعلى قيمة التضامن مع «مفكر» تعرض للمنع!. إنها المرة الأولى التى أشعر فيها أن نقابة الصحفيين «ضمير حر»، تستوعب الفرقاء بشكل ديمقراطى. لم يحتاج التحضير لندوة د.«أبوزيد» إلا إلى إيمان حقيقى بأن الوطن يحتاج إلى تكاتف مفكريه ومثقفيه، ضد حملات «التكفير» إلى تعرض لها «أبوزيد» وغيره من المفكرين. إنها «الندوة - الرمز» بغض النظر عما دار فيها، فقد كانت كاشفة لحالة الخوف الهستيرى، أو «العقلية الأمنية» التى حالت دون فتح قاعة الندوات بالنقابة، لخيرة الكتاب ورؤساء التحرير!. حالة «الذعر» من دخول مفكر مثير للجدل مثل «أبوزيد» تؤكد أن معظم مؤسسات المجتمع المدنى مخترقة، وأن التيار السلفى الذى ضغط على وزارة الداخلية الكويتية لمنع دخول «أبوزيد»، هذا التيار يحكم العواصم العربى «من الباطن»!!. ليس لدى تفسير واضح، ولا دليل ثابت على تدخل جهاز الأمن، لمنع إقامة تظاهرة التضامن بشكل يتناسب مع دور نقابة الرأى فى حماية العقول المصرية. لدى إحساس بالمرارة، والحزن من الانقسام الواضح داخل مجلس النقابة، وغياب الموضوعية فى تقييم الحدث!. من يملك الحد الأدنى من الحس السياسى، كان لابد أن يدرك أن تضامن النقابة مع مفكر مصرى، يملأ الفراغ الذى تركته الدولة. ويتستر على الصمت المهين الذى سيطر حتى على وزارة الخارجية!. لكن للأسف بعض أذرعة الدولة تسدد ضربات عكسية، تنال من هيبة الدولة أكثر مما توجع خصومها!!. علما بأن الدكتور «أبوزيد» ليس فى خصومة مع النظام، بل على العكس تحمل «النفى الاختيارى» والحكم بتفريقه عن زوجته، وظل متمسكا بضرورة أن يقول كلمته هنا.. وفى قلب العالم العربى، لكن ما قيمة «الكلمة» فى مزاد «الأديان»؟!. حتى كلمة «الحرية» أصبحت ملتبسة ومضللة، وكأنها عباءة مهلهلة لا تصد عنا كتائب الإسلام السياسى، ولا تحمينا من رصاص الدولة!!. «المفكر المستقل» محاصر بين الإرهاب الفكرى وإرهاب الدولة!، والتحالفات الدنيئة تحكم مستقبل طرفى اللعبة. لقد قررت الدولة اللعب على أرضية دينية، والمزايدة على المتطرفين، فأصبحت دولة بلا ملامح.. لا هى دولة مؤسسات، ولا هى دولة مدنية. إنها دولة الصفقات «الآنية»، تبيت ليلتها فى فراش التطرف، ثم تطارد المفكرين عبر مؤسساتها الدينية!!. وبالتالى فاستقبال «أبوزيد» فى لجنة الحريات ليس قاعدة صلبة يمكن أن نبنى عليها مصالحة سياسية بين مختلف القوى (الأصولية والتنويرية). خاصة بعد أن دخل الملعب بعض «صغار المرتزقة» ممكن يتاجرون بالدين فى دكاكين إلكترونية. الواقع الفكرى والسياسى الآن أشبه بعملية «قرصنة»، لا تعتمد على موازين القوة الثابتة وإنما تقوم على ضربة خاطفة وموجعة. لقد نال القراصنة حكماً قضائياً ضد مفكر بحجم د.«نصر أبوزيد»، سمموا المناخ الفكرى به.. وفرضوا على القاموس القانونى مصطلحات مثل: (الجلد وحد الحرابة). وبنفس منطق «القراصنة» أشهرت الدولة سيف «الحسبة السياسية».. وما بين «الحسبة الدينية» و«الحسبة السياسية» لا عزاء للمفكرين!!.