حينما كنت أسمع بأن شخصاً قد أصيب بمرض الانفصام فى الشخصية كنت أقف متعجباً كالمشدوه من حقيقة وكنه هذا المرض، وكيف يتأتى أن يعيش الشخص بوجه ثم بعد برهة يسيرة يجد نفسه يعيش بوجه آخر لا يمت للأول بصلة!! ولكن فى الآونة الأخيرة أصبحت أكثر التصاقاً بهذا المرض، ليس من ناحية الطب النفسى، وإنما من ناحية الواقع العملى الذى نعيشه، فإذا نظرت للوجوه فى الشوارع وجدت أن الشخص يضحك ويبكى فى ذات اللحظة! ملامح وجهه تحمل فى طياتها وجهاً عبوساً قمطريرا، ثم تتحول وتنفرج أساريره ليصبح شخصاً آخر، وفى ذات اللحظة يشجب ويندد بالسياسة، وبالقرارات العشوائية المتعاقبة، ثم تجده فى موضع آخر يشيد بهذه السياسة وتلك القرارات، بل وقد يحتفى بها!! تجده قد خلع على نفسه عباءة الشيوخ وعمامتهم ومسوح القساوسة وكهنوتيتهم، ثم فى وقت آخر يستحيل إلى شيطان مارق لا دين له ولا مبدأ!! هذه هى الطامة الكبرى يا سادة، والمرض النفسى برىء مما نلصقه به من اتهامات.. ياليتنا جميعاً قد أصبنا بالفصام! وإنما ما أصابنا هو الكيل بمكيالين.. ما أصابنا هو معرفتنا للحق ثم نحيد عنه بحجج المصالح.. ما أصابنا هو الطعن فى الآخرين والنيل من سمعتهم دون النظر فى المرآة.. ما أصابنا هو ابتعادنا عن قول رسولنا الكريم «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، وما حثنا عليه سيدنا عيسى حينما وضع شرطاً صارماً للخوض فى أعراض الآخرين وذلك بقوله: «من كان منكم بلا خطيئة فليرم هذه المرأة بحجر!» ختاماً.. فلننظر جميعاً فى مرآة أنفسنا قبل أن نختلس النظر ونسترق السمع لعيوب الآخرين وعوراتهم، عملاً بأن فاقد الشىء لا يُعطيه. سمير على حسنين - المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة [email protected]