فى مخيمات تملؤها الدفوف واللون الأبيض والأخضر.. يقف المريدون ويلوحون بوجوههم يمينا ويسارا طالبين المدد: «حىّ ومدد يا سيدنا»، وبينما هم فى مخيماتهم يذكرون الأولياء.. جلست فى مخيم آخر مجموعة من علماء الاجتماع والمفكرين يناقشون حال هؤلاء الذين يجدون سعادتهم فيما يعتبرونه ذكرا لأولياء الله أو القديسين. ففى أحد المخيمات الثقافية بمعرض القاهرة الدولى للكتاب عقدت ندوة «بهجة البسطاء: موالد الأولياء والقديسين»، حاضر فيها دكتور عمار على حسن– الحائز مؤخرا على جائزة الشيخ زايد– والدكتور محمد حافظ دياب، أستاذ الدراسات الإنثروبولوجية جامعة بنها، الذى أدار الندوة، والدكتور فاروق مصطفى أستاذ الإنثروبولوجية والدكتور أحمد زايد عميد كلية الآداب الأسبق. 3000 مولد كل عام و9 موالد يومية يحضرها 10 ملايين مصرى، مما دعا الدكتور محمد حافظ لوصف الشعب المصرى بأنه أكثر الشعوب عشقا للأولياء والقديسين وهو ما برره الدكتور أحمد زايد بأنه بحثا عن الحرية والخروج عن ريتم الحياة اليومية. الولى كما يراه زايد كان بطل الحرية بالنسبة للمجتمع، فصورته التى رسموها له تدل على أنه بالنسبة لهم ليس أكثر من رمز مجسد للحرية التى يتمنونها وقال: الولى فى التراث الشعبى من حقه أن يفعل ما يشاء «ولى بقى ومحدش يحاسبه».. فإذا عرف النساء لا يلام وإذا قتل لا يلام وإذا مشى على سطح البحر لا يسأل.. يختار متى وأين يدفن فلأنه ولى من وجهة نظر مريديه لا ينتقد على أفعاله. وإن كانت الموالد للجميع إلا أن الدكتور زايد يرى أنها متنفس للبسطاء أكثر من الأغنياء، وبرر ذلك: البسيط ليس لديه من يشكو إليه فيعتبر الأضرحة وأصحابها راحة نفسية له، حيث يشكو إليهم همومه ويقابل أناساً جديدة لا يعرفهم ولا يعرفونه، لكنهم يأكلون مع بعض. أما الأقوياء والجبابرة فقد اعتبر زايد الموالد بالنسبة لهم راحة نفسية أيضا، حيث يتخلون عن قوتهم وجبروتهم ويرخون أعصابهم فى هذه الموالد، التى يتخلى الجميع عن قيود الحياة بها. هذه الحرية التى اختارها متبعون الطرق الصوفية لا يقبلها الكثير فى المجتمع إلا أن الدكتور زايد يرى أن قبول المجتمع أو رفضه لا تفرق كثيرا لدى الصوفى، الذى يكون لسان حاله فى مواجهة انتقادات المجتمع: «وإنت مالك يا أخى أنا مبسوط كده»، وفى نهاية حديثه وصف الدكتور أحمد زايد الموالد بأنها الديانة الشعبية «التى خلقها الناس» بصرف النظر عن الديانة القانونية الموجودة فى الكتب السماوية. بينما أكد مصطفى فاروق أن هناك فرقاً بين الطرق الصوفية والاعتقادية وأن الصوفية لا علاقة لها بالزار والشبشبة، وهذه المعتقدات التى تؤمن بأن هناك عالمين عكس الصوفية التى تؤمن بوحدة الوجود. وعن الصوفية والسياسة تحدث الدكتور عمار على حسن والذى اعتبر الموالد الشعبية تعبيرا عن ثنائية المصرى، الذى يربط راحته الدنوية وبهجته بالهدف الدينى ليجمع بذلك بين الدنيا والدين، ووصف المصرى بأنه يتمتع بأعلى نسبة ثنائية لا تنافسه فيها أى جنسية أخرى، وأضاف الدكتور عمار: علاقة الصوفية بالسلطة علاقة احتياج من الطرفين، فالسلطة تحتاج للصوفية لتحد من عمل الجماعات السلفية، والصوفية تحتاج للسلطة لتحميها إلا أن الولاياتالمتحدة استغلت هذا المفهوم ودعمت الصوفية ظنا منها بأنها سبيل للوصول لأهدافها وبناء الدولة الديمقراطية مسترشدة بالتجربة الصوفية التركية.