فى نهاية هذه السلسلة يكون من المنطقى التساؤل حول: ما هى مصلحة مصر فى الاهتمام أو التورط فى قضايا الحدود السعودية اليمنية من الزاوية الجيواستراتيجية؟! ولقياس المصلحة المصرية لابد من الاهتمام بمسألتين: أولاهما، كيفية حساب العوامل الجيواستراتيجية من ناحية تعيين وتثمين العوامل التى تحدد مناطق الانكشاف لأمن دولة ما فى سياق الإقليم الأوسع، فاليمن بالنسبة لمصر، دائما، تمثل مصدراً للتخوف من مدخلات ومسببات الانكشاف الاستراتيجى المصرى، بسبب باب المندب الذى يشكل نقطة الاتصال بين الإقليم البحرى للبحر الأحمر والإقليم البحرى للمحيط الهندى وما يحتوى ذلك من طرق تجارة وهجرة بحرية، من ناحية، وبسبب حوض نهر النيل. فاليمن تتعرض الآن لاختراق إيرانى.. إذا نجح سيساعد إيران على تكوين مثلث قوة استراتيجى إقليمى، قاعدته تمتد من العراق إلى حزب الله فى لبنان، ورأسه فى صعدة فى اليمن على الحدود السعودية يدار من خارج الإقليم العربى من طهران. إذا حدث ذلك فستكون النتيجة تأثيراً كلياً وسلبياً على استقرار ونمو العلاقات والتفاهمات المصرية السعودية. فى قول آخر، إن العوامل الجيواستراتيجية فى الصراع الإقليمى تأخذ شكلين مرتبطين بالصراع حول تشكل النظم الإقليمية، أحدهما مرتبط بالموارد، والآخر مرتبط بالهيمنة. فى هذا السياق يأتى الاهتمام المصرى بالتطورات الجيواستراتيجية فى اليمن، حيث قامت مصر بالتحذير من تدخل «أطراف خارجية لها أجندات إقليمية»، فى الشأن اليمنى، دون أن تذكر هذه الأطراف بالاسم، وأعربت فى تصريحات، على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير حسام زكى، عن قلقها من «اتجاه بعض الأطراف المحلية اليمنية لتبنى مواقف من شأنها تهديد الأمن والاستقرار الداخلى ووحدة أراضى البلاد، بالنظر إلى ما قد يستدعيه ذلك من تداعيات تسهم أيضا فى تدعيم تيار التطرف والغلو». وأكد زكى أن هناك مسؤولية مهمة تقع فى هذا الإطار على عاتق المجتمع الدولى فيما يتعلق بالوقوف أمام محاولات بعض الأطراف الخارجية التدخل فى الشؤون الداخلية لليمن سعيا لزعزعة استقراره الداخلى بما يخدم أجندات إقليمية لهذه الأطراف. وقال زكى: «إن مصر تتابع باهتمام كبير التطورات الجارية حاليا فى جنوب اليمن فى ضوء ما شهدته الأيام الأخيرة من مظاهر للتوتر أدت إلى سقوط عدد من الضحايا من أبناء الشعب اليمنى الشقيق». إلا أن السعودية لها اهتمام جيوبلوتيكى باليمن أكبر من مصر، بسبب الحدود السعودية اليمنية. فالاهتمام المصرى جوهره جيواستراتيجى، بينما السعودية لها اهتمام أكبر باليمن، فالسعودية ترى أن الدولة اليمنية بشكلها ووضعها الحالى تعرض أمن السعودية الجيوبلوتيكى لمخاطر عدة، من حيث ما تعانيه اليمن من ضعف للقوة المركزية للدولة وما يرتبط بذلك من انتشار للجماعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة والمعادية للسعودية، هذا مع الأخذ فى الاعتبار أنه قد تم توحيد قيادة القاعدة فى كل من اليمن والسعودية ليشكلا هيكلاً قيادياً واحداً يعمل ضد الأمريكان ودول الاعتدال العربية، على رأسها السعودية ومصر. فى هذا السياق نفهم تعدد السيناريوهات السعودية لتسوية الأزمة اليمنية باعتبارها أزمة مركبة من تفاعل العوامل الجيوبلوتيكية مع العوامل الجيواستراتيجية، بينما تحصر مصر اهتمامها فى السيناريوهات الجيواستراتيجية فى الاغلب الأعم. ننهى هذه السلسلة بالقول إن المنطقة العربية على المستويين الجيوبلوتيكى والجيواستراتيجى تتعرض لعمليات تفتيت بفعل عوامل القوة الإقليمية العربية على نطاق واسع والتى تساهم فيها عوامل قصور تحديث الدولة الوطنية التسلطية فى العالم العربى بسبب طبيعة منهجيات التسلط الوطنى والفشل فى صياغة نموذج لدولة ليبرالية فى العالم العربى إلى جانب عدم التوفيق العربى فى التوصل إلى استراتيجية واضحة للاندماج المدرج فى سياق العولمة الدولية. هناك باختصار فى العالم العربى والشرق الأوسط صراع بين نماذج وقيم التسلطية الشعبوية السلفية ونماذج وقيم الرأسمالية العشوائية التى تطرح مسارات للفشل الجزئى للدولة والمجتمع. كل هذا دون أى أفق او احتمال ليبرالى. وهذا ما سوف نتعامل معه فى السلسلة القادمة عند الحديث عن احتمالات مصير السودان كدولة موحدة.