لماذا هو حزين؟ ولماذا هى غاضبة؟. سؤالان بريئان لصغيرتى ذات الأعوام الستة عندما كنا فى السوبر ماركت، ثم لفتت نظرى إلى صورتى الرئيس الأمريكى باراك أوباما وقرينته ميشيل. لم تفهم الموضوع لكنها أدركت الصورة على غلاف مجلة «جلوب» الصفراء. كان الكلام غريباً ومسفاً ويقول إن أوباما شاذ جنسياً، وإن زوجته تحاول التكتم على الفضيحة، بإسكات الشخص الذى يزعم أنه كان على علاقة جنسية بأوباما ويدعى لارى سينكلير. وتمضى الصحيفة للحديث عن جريمة قتل غامضة لشخص يدعى دونالد يونج أثناء حملة أوباما الانتخابية، وأنه كان أيضا على علاقة بأوباما، فى اتهام ضمنى بمسؤولية الرئيس الأمريكى. طبعا هذا كله كلام فارغ، كما أن المجلة لم تذكر شيئاً يؤكد صدق هذه الادعاءات، واكتفت فى آخر الموضوع بالإشارة العابرة إلى أن سينكلير فشل فى اختبار جهاز كشف الكذب. ومجلة «جلوب» ليست الوحيدة المتخصصة فى مثل هذه الموضوعات، فهناك صحف أخرى كثيرة نشرت موضوعات مشابهة عن هيلارى كلينتون وميشيل أوباما والمرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس سارة بالين، التى اتهموها بالخيانة الزوجية وغيرها من الفضائح التى ربما لم تترك سياسياً مرموقاً أو فناناً مشهوراً. السؤال الآن: ماذا حدث مع هذه الصحف الصفراء، وما الإجراءات التى اتخذت ضدها؟، الإجابة ببساطة: لا شىء. ومازالت (جلوب) تصدر إلى اليوم، بعد شهور من اتهامها رئيس الدولة بالشذوذ وخيانة زوجته مع رجل آخر، والمسؤولية عن مقتل رجل ثالث. الطريف أن نشر هذا الموضوع جاء فى نفس الوقت تقريباً الذى ثارت فيه قضية الفنان نور الشريف، واتهام صحيفة صفراء له ومجموعة من الفنانين بالتورط فى شبكة شذوذ، فقامت الدنيا ولم تقعد حتى اليوم. إننى هنا لا أدافع عن تلك الصحيفة، فأنا من أكثر الناس احتقارا لتلك المدرسة الصحفية والقائمين عليها. لكن مشاعرى ليست هى الحكم هنا. فهناك قواعد وقوانين تحكم عالمنا. والفارق بين أسلوب تعاملنا وتعامل الأمريكيين مع تلك الصحف هو فى رأيى تجسيد للفارق بين ثقافتين وأسلوبى حياة. فبمجرد نشر موضوع نور الشريف تمت مصادرة ترخيص صدور الصحيفة المصرية، حتى قبل أن يتم التحقيق فى مدى صدق المنشور. والغريب أن ذلك تم بمباركة من يزعمون تأييدهم لحرية الإعلام. إننى لا أذكر اسم هذه الصحيفة أو المسؤولين عنها، فهم تجسيد لانهيار معايير المهنة فى مصر. لكن الاختبار الحقيقى لمدى قناعتنا بمبادئ الحريات وحكم القانون يأتى عندما ننصف الآخرين ولو كنا نكره أسلوبهم ونرفض سياساتهم. والقضية ليست صدق أو كذب الادعاءات ضد نور الشريف، فهو فنان كبير فى الحالتين، ولم أكن سعيداً بإثارة هذه الأشياء ضده، لكننى أيضا أرفض أسلوب المقصلة ضد من اتهموه ومصادرة الصحيفة بهذا الشكل. فهناك قوانين عقوبات استخدمت بالفعل فى الحكم بسجن اثنين من المتهمين فى القضية، وكان من الممكن أن يتم تعويض نور الشريف وآخرين. لكن أن تصادر الصحيفة قبل أى تحقيق يؤكد أو ينفى ما زعمت، فهذا ليس امتثالاً لحكم القانون، بقدر تجاوبه مع الأصوات العالية التى تناست معنى العدالة. إن أوباما لم يصادر مجلة «جلوب» ولم يحاكم مسؤوليها، لماذا؟ لأن هناك حكماً للقانون. والمجلة (لعبتها صح) فهى تنشر اتهاماتها استناداً لما يقوله شخص ما، و«العهدة على الراوى» الذى يتحمل المسؤولية القانونية حتى لو كان كاذباً هلفوتاً مثل لارى سينكلير. أما نحن فسنظل أبطال المعايير المزدوجة وادعاء الليبرالية فقط عندما تتفق مع أهوائنا. والدليل لمن لا يصدق موجود فى غلاف مجلة (جلوب).