كل ما يمكن أن أقوله الآن وهنا عن حسنى عبدربه.. يبقى صالحاً ولائقاً ومن الضرورى واللازم أن أقوله عن كل الآخرين.. بداية من كل مواطن مصرى أحس بالمرارة والإهانة والأسى بعد الخروج من كأس العالم فى أم درمان.. كل طفل مصرى بكى بعدها بالدموع وهو يحمل علم بلاده.. كل امراة ورجل فى كل بيت مصرى أحسوا بجرح شخصى ومهانة تجاوزت مجرد هزيمة فى مباراة لكرة القدم.. حسن شحاتة المشكوك فيه والمطارد بالاتهامات.. زيدان المغضوب عليه.. عماد متعب المغضوب عليه.. الحضرى المهدد بالموت.. سمير زاهر المهان من روراوة.. كل فرد فى أسرة الكرة المصرية.. لاعباً أو مسؤولاً أو مشاهداً أو قارئاً أو جالسا أمام شاشة كمبيوتر.. فلم تكن ليلة الفوز على الجزائر والتأهل لنهائى كأس الأمم الأفريقية.. ولكنها كانت ليلة رد الحقوق لأصحابها.. وفى اللحظة التى كان حسنى عبدربه.. يستغفر ربه.. قبل أن يسدد ضربة الجزاء.. كنت هناك معه.. كلنا كنا معه.. نشاركه الخوف والوجع والأمل والرجاء.. وليس صحيحاً أن حسنى عبدربه نجح فى تسديد ضربة الجزاء وأحرز أول هدف لمصر فى مرمى الجزائر.. وإنما كان يفتتح ستار المسرح الذى جلسنا فيه كلنا، يبحث كل واحد عن الحق الذى يكفيه ويرضيه ويداويه وينسيه كل ما مضى من عذابات وجروح.. كنت سعيداً جداً بأن يكون حسنى عبدربه تحديداً هو الذى يفتتح الستار ويبدأ ليلة الحساب والمراجعة واسترداد الذى ضاع.. وليس السبب هو فقط مستوى حسنى فى هذه البطولة منذ بدأت والذى كان يثير الشكوك والانتقاد إلى حد مطالبة بعضنا بإبعاده منفياً ومنسياً.. وإنما لأن حسنى أيضاً لم ينل ما كان يستحقه من حفاوة وتكريم منذ أن كان اللاعب الأحسن فى بطولة الأمم الماضية فى غانا.. ولو لم تأت ضربة الجزاء فى موعدها.. أو كان سددها لاعب آخر أو كان حسنى تقدم لتسديدها وأضاعها.. كان ذلك سيعنى نهاية لا تليق بلاعب عظيم وموهوب اسمه حسنى عبدربه.. وكانت ستصبح نهاية ظالمة وقاسية وموجعة جدا.. لكن حسنى عبدربه نجح فى الاختبار.. وعاد حسنى عبدربه إلينا من جديد.. وأحسست وقتها بأن فرحة حسنى عبدربه لم تكن فرحة إحراز هدف حتى لو كان افتتاحيا وفى مباراة صعبة وشائكة وفى مرمى الجزائر.. ولكنها كانت فرحة رد الاعتبار.. واستعادة كل الحقوق التى كادت تضيع.. كانت فرحة الكبرياء المسروق حين يسترده صاحبه بصدق اليقين أو يقين الصادقين.. ولحظتها شعرت أن الأمر لن يبقى مقصوراً على ذلك.. فحسنى عبدربه بدأ وكلنا وراءه.. كل واحد منا كان له كبرياء مسروق.. وكان صادقاً وهو يتمنى استعادته.. وبالتالى كان الأمتع من المباراة نفسها بأهدافها الأربعة.. هو قراءة الفرحة فى عيون الجميع.. فلم يكن لهذه الأهداف الأربعة معنى متشابه ومكرر تحت جلد كل المصريين.. أبداً.. كل واحد كانت له معانيه الخاصة وذكرياته المؤلمة التى كانت تتكسر مع كل هدف جديد لمصر.. من حسن شحاتة وسمير زاهر إلى أصغر طفل مصرى.. كان لهذا الانتصار معناه الخاص جدا.. شديد النبل والرقى والصدق أيضاً. [email protected]