الذى تابع حوار وزير الداخلية اللواء حبيب العادلى مع المحاور اللامع مفيد فوزى فى حديث المدينة على القناة الأولى يعرف أنه من الصعب على أى إنسان أن يكسر إشارات المرور الحمراء أو يتخطى الحواجز الأمنية، للتعرف على الحياة الشخصية لهذا الرجل، لكن محاورنا العجوز الذى رتب هذا اللقاء مرة كل عام نجح هذه المرة فى الوصول إلى أعماق وزير غير عادى جعله يفتح قلبه بلا قيود أمنية. أنا شخصياً أطالب بإعادة إذاعة الحوار أكثر من مرة ليتعرف البيت المصرى على شخصية حبيب العادلى كرجل أمن.. وكرب أسرة.. فهو كأى وزير داخلية فى المنطقة العربية، طبيعة عمله والمهام التى يحملها فوق ظهره تفرض عليه حصاراً أمنياً وعزلة عن الحياة الاجتماعية، ولذلك لا نراه فى مناسبة اجتماعية ولا في حوارات تليفزيونية أو إذاعية غير حواره السنوى، الذى يأتى عادة مع عيد الشرطة، فأنا أعرف أن الحوارات مع وزير الداخلية هى من الخبطات الصحفية فى حياة الصحفى الذى يفوز بالحوار معه.. خاصة عندما يتعرض الصحفى إلى الجوانب الإنسانية فى حياة وزير الداخلية.. لذلك كنت سعيداً بحواره مع مفيد فوزى حيث اكتشفت فى شخصية حبيب العادلى أنه يحمل بين ضلوعه قلب الأب الحنون الذى يأمل أن يرى طفله رجلا تربى على القيم الدينية فلم يكن غريباً على العادلى أن يصطحب طفله كل يوم جمعة إلى الجامع ليغرس فيه القيم التى تربى عليها. هذا المشهد يعيدنى إلى عام 1958 عندما كان زكريا محيى الدين وزيراً لداخلية مصر وكانوا يطلقون عليه الرجل الحديدى، حيث كان مسؤولاً عن أمن مصر فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. وشخصية حبيب العادلى لا تختلف من بعيد أو قريب عن شخصية زكريا محيى الدين، وربما تكون امتداداً لمدرسته.. وللحق والتاريخ أن عصر العادلى تتجسد فيه هيبة وعظمة رجال الشرطة. أما عن حكايتى مع زكريا محيى الدين فقد بدأت عندما كنت محرراً تحت التمرين فى مجلة «آخر ساعة»، التى كان يرأس تحريرها الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل حيث نجحت فى الاتصال به من خلال ابن شقيقته طارق مخيمر، الذى كان زميلى فى المدرسة.. واستطعت أن أقنعه بالخروج إلى الشارع المصرى حتى تكون له شعبيته عند الناس.. فسألنى ماذ تقترح.. قلت له إن يتعرف الناس على وزير الداخلية وكيف يقضى يوم الجمعة مع أسرته.. ووافق على هذا الاقتراح وحددنا يوماً لزيارته فى بيته فى منشية البكرى، حيث كان يسكنه قبل انتقاله إلى مدينة الضباط بالمهندسين. ويومها رحت إلى الأستاذ هيكل وأخبرته بموعدى مع السيد زكريا محيى الدين فسألنى أكثر من مرة هل أنت متأكد من أن الذى كان يتحدث معك فى التليفون هو السيد زكريا محيى الدين. أكدت له كلامى فكلف المصور الأستاذ حسن دياب كبير مصورى أخبار اليوم فى ذلك الوقت بمرافقتى.. وفى الطريق تعرضت لنفس الأسئلة.. هل أنت متأكد من موعدك مع وزير الداخلية.. فضلت الصمت إلى أن وصلنا باب العمارة فالتف الحرس حولنا، وعندما تعرفوا على شخصى اصطحبنى أحدهم إلى الطابق الأول، حيث كان يقيم السيد زكريا محيى الدين.. الذى استقبلنا أفضل استقبال. ودار حوار طويل بينى وبين وزير الداخلية الذى أطلعنى على قائمة بالصحف التى تخضع إلى إدارة المطبوعات والتى تتبع له هو شخصياً.. وأبدى عدم ارتياحه لما يتعرض له مرشح الثورة فى الانتخابات من انتقادات فى صحيفة «الأخبار».. حيث كان الأستاذ موسى صبرى يشن حملة ضارية ضد السيد مجدى حسانين.. ثم انتقلنا إلى الحديث عن يوم الإجازة فى حياة وزير الداخلية.. وقبل أن يصطحبنى معه فى سيارته لزيارة حماته بشارع جابر بن حيان بالدقى.. طلبنا منه تصويره مع طفلته مديحة.. وطفله محمد.. وجلس وزير الداخلية معهما فى أرضية الصالون وهو يداعبهما.. مرة يرفع محمد بأعلى يديه.. ومرة يهبط به على الأرض.. وقد كانت فرصة لمصورنا الكبير حسن دياب أن يلتقط مجموعة صور نادرة ولأول مرة مع وزير داخلية مصر مع طفليه وهو بالملابس الكاجوال. لم أكن أعرف وقتها قيمة هذه الصور إلا بعد القرار الذى أصدره الأستاذ محمد حسنين هيكل فقد قرر تعيينى براتب شهرى قيمته 11 جنيهاً.. فسألت يومها الدكتور سيد أبوالنجا العضو المنتدب لأخبار اليوم لماذا 11 جنيهاً.. ولم تكن عشرة أو خمسة عشر جنيهاً. فرد قائلاً: لأن الأستاذ هيكل عايز يعطيك شريطة زيادة عن زملائك.. فزملاؤك فى «آخر ساعة» سوف يتم تعيينهم على راتب عشرة جنيهات وأنت أعلى منهم بجنيه واحد مكافأة على الخبطة الصحفية التى حققتها مع وزير الداخلية.. فيما بعد عرفت قيمة الصور التى نشرت فى «آخر ساعة» واشترتها مدام سامية التى كانت مديرة لوكالة «اليونايتدبرس» فى مصر.. وطبعاً الذى فاز بهذه الصفقة هو «أخبار اليوم».. أما أنا فقد فزت بالتعيين فى وقت كان التعيين فيه موقوفاً. لقد تعددت المدارس الأمنية بعد زكريا محيى الدين ولم يستمر منها طويلاً إلا مدرسة واحدة هى مدرسة حبيب العادلى، التى شهدت طفرة واستقراراً فى جهاز الشرطة، فأصبح جندى الأمن المركزى آمناً على مستقبله، يكفى أنه يجد احترامه من قادته.. ومن الشارع المصرى. لذلك أطالب بأن يعاد حوار وزير الداخلية ليعرف الناس ما لا يعرفونه عن العادلى.. الوزير الإنسان.. لقد اكتشفت فى هذا الرجل أنه محب لأسرته.. لبناته وأحفاده.. لابنه وزوجته.. وكثيراً ما يجد سعادته وهو يلتقط لهم صوراً بموبايله.. لقد أعجبنى حبيب العادلى وهو يتعامل مع الذين يطلبونه بالخطأ.. لم يغلق «الموبايل».. فى وجوههم.. بل يكتفى بالرد «النمرة غلط».. دون أن يفصح عن شخصيته.. فهو إنسان مع من يعرفه.. ومع من لا يعرفه. [email protected]