من المقالات التى لا أنساها للمفكر الراحل محمود أمين العالم، التى قرأتها منذ عقود، مقال بعنوان «بلاش فلسفة» نشره فى مجلة «المصور»، وخلاصته أن هذا القول الشائع الذى يستخف بالفلسفة ويعتبرها لغواً يتعارض مع العمل (الإنجاز) يعتبر من عوائق التطور والتقدم، لأن من الضرورى وجود فلسفة ما وراء كل عمل، ومن هذه الفلسفة يستمد قيمته وجدواه، وإلا يكون عملاً فى الفراغ. تذكرت هذا المبدأ حين قرأت مقال الزميل محمد البرغوثى فى «المصرى اليوم» يوم الأربعاء الماضى، والذى جاء فيه أن وزارة الاستثمار (قطاع الأعمال سابقاً) أعادت إلى وزارتى الزراعة والرى ثمانى شركات كانت قد آلت إليها مع إنشاء وزارة قطاع الأعمال لخصخصة شركات القطاع العام، ولكنها أعادتها «خرابات»، وهى نفس الكلمة التى استخدمتها عندما تناولت حال شركات السينما التى آلت إلى هذه الوزارة من وزارة الثقافة. والمسميات تعبر عن المعانى عندما تكون هناك فلسفة ما وراءها، أو تعبر عن عدم وجود فلسفة من أى نوع، أى عمل فارغ مضاره أكثر من فوائده إذا كان من الممكن أن تكون له فوائد. وقد كانت هناك فلسفة وراء إنشاء وزارة باسم قطاع الأعمال، ولكن أى فلسفة وراء تحويلها إلى وزارة باسم الاستثمار: أليست هناك استثمارات فى كل الوزارات من دون استثناء! يقول البرغوثى فى مقاله: «إن هذه الشركات أصبحت خرابات، لقد تم تدميرها تماماً، ولم يعد هناك أمل فى إنقاذها أو بيعها، لهذا قرروا رميها على الموازنة العامة للدولة لتتحمل أجور ورواتب عمالها وموظفيها»، ويختتم المقال قائلاً: «إن ملف تدمير هذه الشركات التى كانت عملاقة فى حاجة إلى لجنة تقصى حقائق تبحث وتنقب عن الأوراق والمستندات والمسؤولين الكبار الذين ارتكبوا هذه الجريمة الرهيبة.. وساعتها سنكتشف بشكل عملى وموثق: كيف تم تدمير مصر، ومن هم الذين دمروها»! التزمت وزارة الاستثمار الصمت إزاء ما نشر فى هذا العامود عن شركات السينما التى آلت إليها من وزارة الثقافة، كما التزمت الصمت إزاء مقال محمد البرغوثى عن شركات الزراعة، وكأن الحديث ليس عن قضية عامة تهم كل المصريين، ومن أجل المصلحة العامة للدولة والوطن. وقد اتصل بى تليفونياً الصديق رأفت الميهى واعترض على وصف استديو جلال الذى يديره بالخرابة، وقلت له إن شخصه ليس مقصوداً ولا أى شخص، والمقصود بالخرابة ليس أن تكون الجدران غير مطلية، وإنما أن تواكب الاستديوهات الثورة التكنولوجية، وأن تعود البنية التحتية للسينما إلى وزارة الثقافة، لأن السينما ثقافة. [email protected]