الأب هو أول رجل فى حياة المرأة ومواقفه معها تحدد طريقتها فى النظر إلى الرجل الزوج والابن والزميل، الأب الذى يعامل ابنته بعدم تقدير ويفرق بينها وبين أخيها الذكر ويقسو عليها تماشيا مع المثل الزائف «اكسر لها ضلع» ولا يدعمها فى حياتها.. يُخرج للحياة امرأة أُمّاً خانعة أو متمردة على الرجال، وفى الحالتين يخسر المجتمع. هذا عكس الأب الذى يتعامل مع ابنته بنفس الاهتمام والرعاية التى يوليها لابنه ويفيض عليها من عطفه وحنانه ويدللها الدلال المتمم لمكرمة المرأة والذى لا يفسد علاقتها بالآخرين بل يدعمها، فهناك خطأ شائع حول دور التدليل فى إفساد الأبناء، فالتدليل بمعنى عدم الحرمان العاطفى قبل المادى لا يمكن أن يفسد بل هو جزء من التربية الصحيحة، والطفلة أكثر احتياجا للتدليل من أخيها الذى تعود على الميزات التى يحصل عليها من المجتمع لكونه ذكرا حتى دون أن يطلبها. مثل هذا الأب يهب للحياة امرأة فاعلة وإيجابية، مطمئنة ومحترمة للرجل، مدركة معنى العلاقة الثنائية التاريخية التى تجمعهما وتقبل عليها وهى تعرف واجباتها وحقوقها. لن أستغرق فى شرح نظريات عالم النفس الشهير سيجموند فرويد، سواء عن تعلق الولد الشديد بأمه «عقدة أوديب»، أو تعلق الابنة بأبيها «عقدة إلكترا»، لكننى أقول باختصار إن الطفلة المحظوظة هى التى تجد الأمان والرعاية فى حضن أبيها، وكثيرا ما سألت سيدات ناجحات فى حياتهن العملية - واثقات من أنفسهن وفى أدائهن فى الحياة ويتمتعن بالتوازن - عن سر هذا النجاح، فكانت كل واحدة منهن ترجعه لوالدها. أتذكر لأبى الكثير والكثير، وأقر بأنه كان بشرا ولم يكن خاليا من العيوب أو مثاليا فى تعامله معنا، لكن هناك معاملة قد تكرهها فى طفولتك وتعتقد أنها ضدك، لكننا عندما نكبر ونتعلم من خبرات الحياة، ندرك الأمور بشكل أفضل، حتى لو كابر بعضنا واستمر على مواقفه القديمة، كان أبى «الكبير» ضد عقلى وتكوينى «الصغير» كطفلة، لكننى كبرت وأدركت أنه لم يكن ضد شخصيتى وأفكارى وإنسانيتى واعتدادى بذاتى واحترامى لنفسى، كان يشعرنا أنا وإخوتى البنات بتقديره لنا حتى إن إخوانى الذكور كانوا يتهمونه بالتحيز لصالحنا، ولكنه بحكمة فطرية عميقة كان مؤمنا بأن المرأة القوية أفضل من الضعيفة وأقدر على تدبير أمور حياتها وبيتها، كان عصريا فى رؤيته ولم تمنعه أصوله الريفية من الفخر بنجاح بناته كما كان يفعل مع بنيه، لا يفرض رأيه علينا، عندما يكون لديه اعتراض على سلوك أو أسلوب أى منا كان لينا يشرح وجهة نظره لأمنا من أجل تخفيف الرسالة الصارمة، فالعبرة بالتوجيه والنصح وليس الاستمتاع بالقمع والقهر. بعد سنوات طويلة من وفاة أبى مازلت أتذكره وأفتقده وأبكيه بحرقة عندما تداهمنى أزمة أشعر باحتياجى إليه لمواجهتها، وكم تمنيت أن يعود للحياة يوما لأقول له كلمات لم أقلها له حياً: «أنا بحبك يا بابا». لا تتأخروا مثلى فى التعبير عن مشاعركم لآبائكم وأمهاتكم، ولا تبخلوا بكلمات الحب والتقدير لهم.