أجساد نحيلة ووجوه سمراء تملأ شوارع منطقة أطلس فى شمال القاهرة، فى كل مكان على المقاهى عند مفترق الطرق فى الأزقة والشوارع الضيقة داخل المحلات يمرون من جوارك.. تشعر وقتها بأنك داخل العاصمة السودانية الخرطوم رغم أنك لم تذهب أبعد من الحى العاشر بمدينة نصر حيث يسكن آلاف اللاجئين السودانيين. فى مساكن أطلس يعيش عشرات السودانيين داخل الغرفة الواحدة حيث تنخفض الإيجارات هناك لتصل إلى 500 جنيه شهريا.. يمكنك أن ترى أكثر من 20 شخصا يعيشون فى شقة واحدة. فى تلك المساكن تفوح رائحة العطر السودانى الشهير باسم «الخومرا» وتنطلق أصوات متداخلة لعشرات المتحدثين بلهجة قبائل ال(لوا لوا). وقتها سوف تعرف أنك أمام مجتمع آخر يعيش داخل المجتمع المصرى. أتوا من بلادهم هرباً من الموت أو طمعاً فى الهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة. فى مساكن أطلس لا يضىء السكان النور إلا قليلا وبمعدل مصباح واحد، فأية زيادة قد تعنى عجزا ماليا فى آخر الشهر، وفى الصالة تجد دائما موقداً كهربائياً يصعنون عليه «العصيدة» وهى أكلتهم الرئيسية وشبه الوحيدة. فبكيلو واحد من الدقيق وبعض الماء والسكر يصنعون طعاما لعشرات اللاجئين داخل كل شقة يكفيهم لمدة يومين على الأقل. ولا يعيش السودانيون فى مساكن أطلس وحدها، فهناك على حواف القاهرة العشرات محشورون فى شقق ضيقة فى مساكن أطلس والمعادى والزهراء، هناك يبحث السودانيون المقيمون فى مصر عن فرصة للخلاص. خرجوا من بلادهم إلى «الشقيقة الكبرى» متتبعين خطى النيل نحو الشمال. بعضهم هرب من «التجنيد» فى حروب تبدو بلا نهاية، وأخرون فروا بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعيشها السودان. كان الحلم متعددا والوسيلة واحدة. الرحيل إلى مصر كان الخيار الأقل كلفة ومخاطرة، هنا لغة واحدة وروابط تاريخية بين الشعبين. فى القاهرة تجمعوا فى مناطق نائية ليعيدوا ترتيب الأوراق للسفر أو للإقامة الدائمة. ويقدر مراقبون حقوقيون عدد السودانيين فى مصر بنحو 2 مليون نسمة، غالبيتهم قادم من مناطق النزاع فى دارفور وجنوب السودان.