شاب ضخم البنية له وجنتان بارزتان يبلغ من العمر 27 عاما يده اليمنى مبتورة من عند المعصم ويدعى مهدى الحكيم.. جاء من جبال النوبة فى كردوفان مع زوجته وبنته «كاكا» ليعيش فى مصر بعيدا عن «الحرب والدم» ليصبح بين يوم وليلة لاجئا. يقول مهدى: «أعيش الآن مشردا والآن فقط أعرف معنى هذه الكلمة، وكذلك ابنتى التى تبلغ من العمر عامين ونصفاً بعد أن طردنا مالك العقار بسبب عجزى عن تسديد الإيجار». زوجة مهدى وجدت بالكاد فرصة عمل كخادمة فى أحد المنازل، أما مهدى فكانت يده المبتورة سببا إضافيا لمعاناته. كاكا الصغيرة تعيش الآن منتقلة بين بيوت السودانيين فى مساكن أطلس بالحى العاشر مدينة نصر، من بيت إلى بيت تذهب الصغيرة، ومن بيت إلى بيت تذهب أمها للعمل، بينما يجلس مهدى يسترجع المأساة منذ بدايتها: «رأيت فى حياتى الكثير من المآسى، فى السودان أخذونى رغما عنى وأعطونى سلاحا وأجبرونى على القتال، حاولت الهرب من الجيش حتى نجحت فى المرة الأخيرة، وشعرت وقتها أننى تحررت من القيود، وفجأة عثرت عليّ قوات النظام السودانى فاعتقلت فى سجن فى منطقة النوير، هناك كان عقابى قطع يدى، وقتها عرفت أن الجحيم فى حرب الجنوب أسهل كثيرا من الحياة بإعاقة تمنعك من الكسب، وحتى الآن أعيش بهذه العاهة لا أستطيع العمل». تنقل مهدى منذ أتى إلى مصر بين أعمال كثيرة، البعض تعاطف مع ظروفه فى البداية وكلفوه بأعمال خفيفة تناسب إعاقته، بعد قليل اختلف التعامل، وبدأ أرباب العمل يتعاملون معه باعتباره «زنجى» عليه أن يتحمل كل شىء ويرضى بالفتات. فى النهاية تتراكم الأعمال ويقف مهدى عاجزا أمامها، وأمام صاحب السكن الذى يطالبه ب300 جنيه أجرة شهرية. فى شوارع المساكن كان بيت مهدى حكيم، يتنقل من شارع إلى حارة وقليلا ما تقبل الأسر السودانية استضافته، حتى جاء عمل زوجته الجديد كخادمة لينقذه من «نومة الرصيف». كان الحل من وجهة نظر مهدى هو دراسة اللغة الإنجليزية فى كنيسة بالحى العاشر، ووسط الفقر والحرمان وهربا من لقب «زنجى» الذى يطارده فى كل مكان يحلم مهدى بالسفر إلى أمريكا. «كل لاجئ يعيش فى مصر ولم يحصل على بطاقة لجوء السفراء يراوده حلم السفر إلى أمريكا» هكذا يدعم مهدى فكرته عن الحل مؤكدا «هناك سوف تعيش كاكا فى أمان وسأجد عملا كريما لا يعاملنى فيه الناس بوصفى زنجياً، وستعود زوجتى لوظيفة محترمة بدلا من الخدمة فى البيوت، ولى بعض الأقارب يعيشون هناك فى ظروف جيدة مقارنة بالجحيم الذى أعيشه وأسرتى فى مصر».