شباب فقدوا الوطن ويئسوا من المستقبل، أصبح الطريق أمامهم مفتوحا على عالم الجريمة باعتباره حلا لمن ليس لديه ما يخسره. فى مناطق المعادى والبساتين والحى العاشر ومساكن أطلس ينتشر العشرات من شباب اللاجئين، الذين وجدوا فى الجريمة طريقة للحياة وسط ظروف مأساوية فقدوا خلالها الأمل فى كل شىء. فى البساتين تسيطر عصابات السودانيين على مناطق بكاملها، السيطرة هنا تعنى التواجد المستمر وحمل السلاح الأبيض، والمشاجرات التى تنشب بين أفراد العصابات بشكل شبه يومى. فى المنطقة نحو 200 من السودانيين الشباب شكلوا سويا « عصابة الbad boyes» جميعهم تقريبا وحسب شهادات السكان من النازحين من جنوب السودان. بدأت الباد بويز خطواتها بفرض السيطرة على مناطق عشوائية فى زهراء المعادى والبساتين وعلى حواف المقابر، هناك تعلمت كيف تنظم نفسها وتفرض سطوتها، بالمقابل لم يمر وقت طويل حتى نشأت عصابة منافسة اتخذت لنفسها اسم عصابة ال«out low» أو الخارجون عن القانون، العصابة الجديدة تكونت بعد خلافات ومشاجرات دامية مع أعضاء العصابة الأم، فجمع عشرات الشباب أنفسهم وكونوا عصابة مستقلة تحاول منافسة الباد بويز، لتبدأ سلسلة من المعارك بين الطرفين بشكل شبه دورى. فى المعارك وبعدها يدفع آخرون الثمن، مواطنون مصريون من النوبة هم الضحية الأولى لهذه المعارك التى لا يعرفون لماذا قامت ولا متى سوف تنتهى؟ فى البساتين حيث يعيش المئات من أبناء النوبة المصرية مع السكان القاهريين يجدون أنفسهم موضع اتهام دائم بسبب التشابه بينهم وبين السودانيين فى العصابتين. يقول إيهاب حجازى، أحد النوبيين الذين يسكنون المنطقة: «نحن ندفع ثمن جرائم لم نرتكبها، والعصابتان تشتبكان فى معارك مستمرة ويسقط العشرات جرحى من الجانبين، خاصة أنهم يتعاركون بعد تعاطى أنواع مختلفة من المخدرات، لكن السكان لا يفرقون بين النوبى وأفراد العصابات، لذلك نجد أنفسنا متهمين بين الناس بما لم نرتكبه». ومن البساتين وزهراء المعادى إلى الحى العاشر، حيث تتكرر الاتهامات لسودانيين بارتكاب جرائم سرقة واغتصاب. فرغم كثرة أعداد السودانيين المتزايدة فإن العلاقات بين أبناء الوادى الواحد ليست جيدة. فبعض أصحاب العقارات يطردون اللاجئين بسبب ما يقولون إنه «حفلات سكر» التى يقومون بها داخل الشقق. وبعض المواطنين اشتكوا من تعرضهم ل«مضايقات» من بعض اللاجئين. سيدة مصرية فى أواخر الثلاثينيات من سكان المنطقة روت حكايتها مع المجتمع الجديد رافضة ذكر اسمها، تقول السيدة «كانت الساعة تقترب من الخامسة صباحا عندما سمعت طرقاً شديداً على باب المنزل فاستيقظت مفزوعة وعندما فتحت باب الشقة وجدت 6 أفارقة يحملون سلاحاً أبيض ودفعونى إلى الداخل وحين استنجدت بأولادى غرس أحدهم سكينا فى يدى وحين حاول ولدى الأكبر منعهم من سرقة بعض الأغراض أصابوه أيضا، وقد حررنا محضرا بالواقعة بقسم الشرطة». أما أشرف عبية، مدرب كرة سلة، أحد سكان المنطقة، فيقول: «كنت أسمع دائما عن تلك الجرائم لكنى لم أصدقها، حتى رأيت ذات مرة عدداً من الأفارقة فى حالة سكر تامة، ويحاولون الاعتداء على إحدى الفتيات من سكان الحى العاشر إلا أن المواطنين تجمعوا ومنعوهم من اغتصابها وتم تحرير محضر بقسم الشرطة». ويقول وائل مصطفى، طالب بكلية الحقوق من سكان الحى العاشر: «خرجت من بيتى فى وقت الفجر وفوجئت بعدد كبير من السودانيين فى حالة سكر ويحاولون سرقة بعض الملابس المنشورة فى بلكونة إحدى الشقق، حاولت منعهم فتعرضت للضرب» يضيف وائل: «التواجد الأمنى ضعيف للغاية، والجرائم مستمرة ولا أحد يعرف كيف يتصدى لهم». انتشار الجرائم التى يتهم بارتكابها لاجئون سودانيون وأفارقة لا تنفيه المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ويؤكد المسؤول الإقليمى للمفوضية د.سعد العطار أن «الظروف الصعبة التى يعانى منها اللاجئون فى مصر هى السبب وراء انتشار الجرائم. فاللاجئ يحصل على راتب- هذا إن عثر على عمل أصلا- يصل الى مائتى جنيه شهريا، وهو مبلغ لا يكفى شيئا فيلجأ بعضهم إلى الجريمة، خاصة صغار السن والشباب حيث يكونون عصابات فى الشوارع». تحدث بانفعال عن الموضوع مؤكدا أنه يفضل الحياة «فى سلام وبعيدا عن القتال»، خاصة بعد رحيل زوجته وأولاده بسبب «اللعنة التى وقعت على الجنوبيين». بعد قليل بدأ مكالى يحكى عن رحلة هروبه إلى مصر قائلا: «بعد مقتل أسرتى بالكامل لم أجد أمامى سوى النجاة بحياتى، مشيت 4 أيام داخل الغابات حتى وصلت إلى منطقة الأوبيض، ومنها إلى الخرطوم، حيث نجحت فى السفر إلى أسوان ثم إلى القاهرة». وإذا كان الربو مشكلة هيثم القادم من الشمال فإن السن هى مشكلة آدم الجنوبى، فهو لا يستطيع القيام بأعمال تحتاج لقوة عضلية كبيرة كتلك التى يعمل فيها بعض السودانيين المقيمين فى مصر، لذلك صنع ماكالى طاولة خشبية واشترى «بضاعة» من أربطة الأحذية وأنواع مختلفة من فرشاة الشعر وبعض الأغراض البسيطة، التى يكفى ثمنها بالكاد لتوفير «اللقمة والنومة».