تتعامل الحكومة مع الرئيس على أساس أن ما يصدر عنه حكمة مكتملة، لا يجوز معها الاجتهاد! رغم أن «مبارك» ذاته يقبل الاجتهاد ويتمناه، ولا يرحب بالتبرير.. ولو أن أحداً أحصى المواقف التى طلب فيها الرئيس من الحكومة، مؤخراً، أن تتصرف فى ملفات مطروحة أمام الرأى العام، فسوف يلاحظ أن منطق الحكمة من هذا النوع، كان هو السائد، ثم الحاكم فيها جميعاً، من أول أرض الضبعة فى الساحل الشمالى - على سبيل المثال - وانتهاء بأرض الدولة عموماً، فى أى موقع، والطريقة التى يمكن للمصريين أن يحصلوا بها عليها! فالعقل يقول إننا مادمنا، كمصريين، نعيش على 7٪ تقريباً من مساحة بلدنا، فإن الحكومة التى تجلس فى مقاعد الحكم يجب أن تشجع الناس بأى طريقة، على أن ينتشروا فى المساحة الباقية من أرضنا، وهى - كما ترى - 93٪ من إجمالى خريطة البلد، بمعنى أن سبعة أفدنة من كل مائة فدان فى مصر كلها هى فقط التى نزرعها، أو ننتفع بها، أما ال93 فداناً الباقية، فهى أرض بور، فى انتظار مَنْ يذهب إليها، لينتفع بها، أياً كانت طريقة هذا الانتفاع! وعندما طلب رئيس الدولة، من الحكومة، أن تضع أسلوباً لحصول المواطنين على أرض الدولة كان المتوقع أن يكون هناك اجتهاد فيما طلبه الرئيس، وأن تكون هناك بدائل على الأقل، يمكن للرئيس أن يختار منها بديلاً، ثم يعتمده، إذا ما عاد ليجتمع بالحكومة، ويرى معها ماذا فعلت فى هذا الشأن! ولكن هذا، للأسف، لم يحدث، فلا كان هناك اجتهاد، ولا كانت هناك بدائل، وإنما سارعت الحكومة لتضع حلاً واحداً، بل وحيداً، أمام الرئيس، وهو أن يكون حصول أى مواطن على أى قطعة أرض، من أرض الدولة، بعد اليوم، بحق الانتفاع، لا التمليك، وهو حل يبدو لمَنْ يتأمل معناه، ثم عواقبه، دليلاً على ضيق أفق، ورغبة فى الاستسهال، وعدم قدرة على الإبداع، فى طرح الحلول المختلفة للمشاكل والأزمات، التى قد تعترض طريقنا كبلد! والمؤكد أن الرئيس، لو سألوه، فلن يكون قطعاً من أنصار تقفيل الدنيا بهذا الشكل، فى وجوه المواطنين، وسوف يكون يقيناً من أنصار وضع ضوابط واضحة، لتمليك الأرض فى البلد، مع الإبقاء بالتالى على مبدأ تمليك الأرض، لمَنْ يريدها، لأن هذا هو السبيل الوحيد لتشجيع أى مواطن على أن يحصل على ما يستطيع من أرض بلده، ثم ينميها، ويستثمرها فى الاتجاه الذى يفهم فيه! تصرفت الحكومة وكأن أى قطعة أرض هى سجادة - مثلاً - سوف يطويها المواطن، ويحملها فوق كتفيه، ويخرج بها متسللاً من البلد، لتكون النتيجة فى النهاية أن السجادة كلها سوف تظل مفرودة تحت قدمى الحكومة، ولن يتحمس أحد كثيراً للانتفاع بها، ما دام سوء الظن الحكومى هو الشعور الغالب فى الموضوع!! قليل من الاجتهاد مطلوب، فما يصدر عن الرئيس، إجمالاً، ليس حكمة نزلت من السماء!.. وسوف يكون الرئيس نفسه أسعد الناس، لو وجد أمامه تفسيراً مختلفاً لما يقوله، وليس تطبيقاً أعمى لأفكار لا يقصدها!